في شهر رمضان المبارك وفي هذه الزاوية التي دأبنا فيها على استقراء سير النساء الاستثناء في ذاكرة التاريخ يمكننا القول : إن نساء الذاكرة الإسلامية تعبير شامل عن حالة المرأة المُقيمة في مرابع الدين الحنيف، والراكزة في أساس سماحته وأخلاقياته الرفيعة، وسنجد في نساء المسلمين نماذج ساطعة للزوجة الوفية، والأُم الحنون، والمكافحة الحاضرة في زمن الراشدين البهي، المنافحة عن دينها وبيتها، وسنكتشف دون أدنى عناء تلك المآثر العظيمة يوم أن وصلت دولة الخلافة الإسلامية إلى ذُرى المجد، وكانت معياراً للعالمية الثقافية والفكرية والسلوكية.. يوم أن كانت أوروبا الإقطاعية غارقة في ظلامات العصور الوسطى، وكان الإسلام ينتشر عطفاً على اندثار الامبراطوريتين الرومانية والكسروية، بعد أن نخر فيهما الفساد، وزادت فيهما المظالم، وتاقت الشعوب إلى مُنقذ إيماني يخرجها من حالة اليأس والإحباط إلى نور الفعل والعطاء . في تلك المحطات الكُبرى كانت المرأة وراء الأسماء والقامات الكبيرة، وكانت المستشارة الأُولى، والرائية العملية .. القادرة على إدراك المخاطر والمُناجزة في زمن السلم والحرب من خلال دورها الكبير في الأُسرة، وقدراتها الاستثنائية في إدارة أُمور البيت تعليماً وتربيةً وخدمات، ولهذا السبب كان الرجال يذهبون إلى ميادين الشرف جهاداً وعملاً، تجارة وترحالاً في سبيل نشر الدعوة دون أن يُقلقهم الغياب القصير ولا حتى الأبدي. هذه الدربة التاريخية النسائية كانت ماثلة إلى عهد قريب، فحيث ما ولينا وجوهنا في العالمين العربي والإسلامي سنرى المرأة العاملة في الحقول والمصانع والإدارة، وفي براري الرعي البعيدة، والمُدن الصاخبة أيضاً، وكذا الأرياف الزراعية .. المرأة المُمْسكة بجمرة الصبر والانتظار لعودة الزوج المغادر إلى الغوص والتجارة. وخلال أشهر الهجرة الطويلة تتولّى المرأة القيام بشؤون البيت، فيما يعود رب الأُسرة وكأن غيابه لم يؤثر على مسارات المنزل وإيقاع الحياة وتربية النشء. هذا ماكان في الإمارات العربية المتحدة منذ عهد قريب، وهو مايؤشر إلى مركزية مكانة المرأة في المنزل والمجتمع إلى يومنا هذا . في مثل هذا الشهر الفضيل نتذكر تلك الملاحم والمعاني، فيما نرى بعين حاذقة ماتشكله المرأة من قيمة معنوية ودلالية في شهرالصيام والقيام، فإذا كان الشهر استثناءً في الأشهر، فإن الزوجة والأُم استثناء الاستثناء؛ لأنهما في المثابة الأقصى للمقام الذي أشرنا إليه، وفي حال الصيام والقيام تزداد هذه المكانة ألقاً، وتتسامى معنوياً ودلالياً .