مع صدور كل عدد من مجلة «العربي» الكويتية ينازعني اعتقاد بأننا شعب لا ينقصه الفكر والإبداع، بل إن كل مايعوزه فن تسويق نفسه للساحة الثقافية، وقدرة تكييف ثقافته للحاجة العصرية. بدأت تصفح مجلة «العربي» ولم أزل طالب ثانوية، وكان رئيس تحريرها أحمد زكي «رحمه الله» وهي اليوم توزع بحوالي «021» ألف نسخة على مختلف أرجاء العالم، بينما نحن لا نمتلك قدرة إدخال صحيفة لأسواق إحدى دول الجوار. عندما يتحدث الإخوة المسئولون عن ضرورة تصحيح النظرة الثقافية لدى العالم حول اليمن، أقف محتاراً بشأن الكيفية التي يتسنى لنا بها القيام بذلك.. فنحن محليون جداً إلى درجة الخصوصية في كل نتاجاتنا الإعلامية، ومعظم مطبوعاتنا الفكرية، وأغلب ندواتنا ومؤتمراتنا الموسمية. وفي الوقت الذي تتقاطر مواكب المطبوعات الإعلامية والثقافية على مكتباتنا اليمنية، لم نفكر يوماً بمشروع إعلامي قادر على فرض نفسه على نواصي أكشاك الصحف الخليجية التي تربطنا بها علاقات قوية!! لذلك صار قراؤنا في الوطن يتهافتون على الصحف القادمة إلى أسواقنا، تاركين صحفنا اليمنية مكدسة تحت أشعة الشمس، لينتهي بها المطاف إلى موائد المخبازات التي تشتريها بالكيلوهات!! فلم يعد همنا كيف نسوق إعلامنا إلى الخارج بل كيف نحافظ على قرائنا، ونحول دون فرارهم إلى الصحف الخارجية. أعتقد أن تفشي ظاهرة كهذه تستحق القلق، لأنها تعني انسلاخاً من الثقافة الوطنية، وإقصاءً للمواطن اليمني عن ساحته الحقيقية. ولاشك أن الأمر غير مرهون فقط بغزارة المادة الفكرية والثقافية التي تقدمها المطبوعات الواردة إلينا بل أيضاً بشحة الزاد الثقافي المقدم في مطبوعاتنا، وتقهقر جانب الموضوعية فيه، وشخصنة خطابه إلى الدرجة الذي بات يمثل فئة محدودة وليس الأغلبية.. فعندما نتصفح إحدى الصحف اليومية أو الأسبوعية قلما نجد قراءات لقضايا عربية بأقلام يمنية، ونادراً مانجد دراسات يمنية لتجارب عربية سواء كانت سياسية أو أدبية، أو فكرية، أو اجتماعية. إن هذا النمط من التسويق الثقافي يتخذ آثاراً سلبية كثيرة تربط بعضها بقضايا تطوير الوعي الإنساني، أو الترويج للذات الوطنية، أو حتى لتتبوأ موضع قدم في الساحة العالمية بين تلك التجارب العملاقة. ولو راجعنا أنفسنا واحتياجاتنا سنجد أننا في اليمن لدينا مشكلة ثقافية، وبحاجة إلى ترويج سياحي، وتصحيح المفاهيم حول موقفنا من قضايا الإرهاب، وما يشاع عن حياتنا الديمقراطية، وماهو مطلوب لمواجهة بعض النزعات المذهبية والمناطقية.. وغيرها الكثير من الاحتياجات التي لا يمكن أن تحلها سوى تجربة فريدة تتبناها إحدى الجهات لإيصال أصواتنا إلى الخارج واستعراض موروثنا الشعبي جنباً إلى جنب خطابنا السياسي أو الاقتصادي، وجعل أفكارنا تزاحم في المعترك الثقافي أفكار الآخرين.