العواطف وحدها غير قادرة دائماً على إثارة الحماسة الكافية واستقطاب العناية اللازمة تجاه قضية ما، أو قصة إنسانية مؤثرة، وبمعزل عن العواطف فإن إنصاف الحقيقة المنشودة بحاجة إلى واقعية تؤمن بالمعلومات وتبنى عليها.. لا غنى عن المعلومات وخصوصاً في القضايا ذات الطابع الشخصي والمدلولات الأمنية حتى لا «تُختطف» الحقيقة من الجميع. خلال أسبوعين مضيا استحوذت قصة أو قضية اختفاء «سوسن» على اهتمام ومتابعة الجميع، سواء في الإعلام المقروء أو لدى الأوساط المجتمعية والحقوقية.. وأهم من ذلك أنها حظيت باهتمام ومتابعة الأجهزة الأمنية وعلى أعلى مستوياتها؛ حتى تمكنت في زمن قياسي من حل اللغز. الملاحظة الأبرز والتي لاتزال تتكرر مع كل قصة وقضية من هذا النوع، ان الاندفاع نحو الإشهار والتبني الإعلامي غالباً ما تشوبه أخطاء الاعتماد والمفرد على العواطف المشبوبة والمشاعر الذاتية، وهذا لوحده لا يخدم الحقيقة ولا يعجل بمعرفة التفاصيل وحل المشكلة. من غير المنطقي أن نلجأ إلى افتراض مأساة «اختطاف» مع كل حالة غياب أو اختفاء يتم الإبلاغ عنها، ومن الواجب في مثل هذه الحالات التأني وممارسة أقصى درجات المسئولية الإعلامية والصحافية، حتى لا نرهب الناس ونرعبهم من دون حاجة إلى ذلك. وحتى لا نفقد تقدير واحترام العامة والخاصة على السواء بالاعتماد على الرأي الشخصي في قضية عامة ليست بالضرورة كما يراها أو يرسمها خيال كاتب واجتهاد متعاطف. ما من شك فإن اختفاء «سوسن» أو غيرها من المواطنين - كباراً وصغاراً وذكوراً أو إناثاً - تشكل مأساة حقيقية ومعاناة أليمة وأزمة لدى الجميع؛ الأسرة والمجتمع.. ولكن من غير المحبذ أو الموضوعي في هكذا ظروف أن نبالغ نحن في الاجتهادات الشخصية والافتراضات المشبوبة بالعاطفة، فنسارع إلى افتراض قصة غامضة وتراجيديا أقرب إلى أفلام «الأكشن» تصور غياب أو اختفاء «سوسن» أو غيرها من الأفراد على أنه حادث «اختطاف» قسري، وأن عصابة مسلحة تقف وراءه قبل التأكد والتحقق من المعلومات والإلمام بالتفاصيل والخلفيات كاملة، وهذه لن تتأتى لنا إلا بمساعدة، وبالاعتماد على الأجهزة الأمنية المعنية أولاً وأخيراً، وقبل غيرها، بفك طلاسم القضايا وحل الألغاز. أكثر من قضية، وأكثر من حالة ثبت خلالها وفيها جميعاً أن الاعتماد على الرأي الشخصي أو المعلومات العابرة والمستقاة من مصدر واحد - قد يكون أهل وأقارب الضحية المتأثرين بمرارة المفاجأة أو أحد معارفها أو بالاستماع من الجيران لا غير- لا يخدم الحقيقة ولا يساعد في الوصول إليها، بل ربما فعل العكس تماماً. لا ينكر المرء أن هناك حالات متباعدة كان الاختطاف سبباً لاختفاء وغياب طفل أو طفلة أو شاب، وليس صحيحاً - بالقدر ذاته - أن مجرد حدوث حالات مشابهة، سبب كافٍ أو مقنع لإلحاق البقية بها، وكأن الاختطاف صار ظاهرة أمنية متفشية تقف وراء غياب واختفاء كل أحد وأي أحد!. شخصياً أعرف، أو اطلعت عن قرب على حالة اختفاء لشاب قيل إنه اختطف من قبل مسلحين مجهولين، وراجت روايات كثيرة وخطيرة عن طلب فدية باهظة، أو بداعي الانتقام الشخصي والعائلي، وبعد أشهر قليلة تبين أن الشاب المذكور كان قد دخل إلى دولة مجاورة للعمل - بالتهريب - وكان يرسل لوالده جزءاً من المبلغ الذي تقاضاه في أول «مشاهرة»!!. أقصد أن أسباباً وخلفيات كبيرة وكثيرة قد تفسر وتبرر الغياب، وهي قد تقل وتتراجع في حالة كان الشخص المختفي ليس ذكراً بل أنثى، إنما وحتى هذه لا تبرر أو تجوّز المرور على الحقيقة وافتراض الاختطاف سبباً أو حداً، وإلا فإنه «اختطاف» للحقيقة لا غير!. الأجهزة الأمنية تمكنت سريعاً وفي زمن قياسي من حل لغز احتفاء «سوسن» وعثرت عليها وقبضت على أشخاص، وأكد أمن تعز أن الحالة كانت «غياباً» وليست اختطافاً، ولا وجود لعصابة مسلحة مزعومة وراء هذه القضية، فهل يجب أن نعتذر للناس وللجمهور وللحقيقة على المبالغات والتهويلات التي خلقت جواً من الشك والريبة والقلق، وفرضت ضغوطاً هائلة على الأجهزة الأمنية، وكان من الممكن أن تضللها وتتوهها كما ضللت وتوهت أوساطاً من الجمهور؟!. في مناسبات كهذه يقترف المجتهدون والمتحمسون - بحسن نية ربما.. وأحياناً دونها - إجحافاً بحق الأمن العام والسكينة العامة، وبحق الأجهزة الأمنية التي نحتاج إليها دائماً وأبداً، بوصفها حليفة الجميع والشريك الأفضل والأول للمجتمع والجمهور في تأمين الحياة المشتركة وخدمة المواطن. شكراً لأنكم تبتسمون