يسجل للمسشرق الروماني «جورجي جريجوريانه» أول من قام بترجمة كاملة للقرآن الكريم إلى اللغة الرومانية، حيث كانت تلك الترجمة مختلفة تماماً عن مألوف الترجمات الأوروبية والرومانية من جهة، كما أنها جاءت مسترشدة بالابستمولجيا والبرهان معاً، دونما انجراف إلى التفسير السطحي للنص القرآني كما رأينا في الكثير من شواهد الترجمات . لجأ «جريجوري» بداية إلى دراسة اللغة العربية في جامعة بوخارست، ثم بدأ في قراءة القرآن الكريم عبر الترجمات التفسيرية الفرنسية والإنجليزية، ثم واصل مشوار البحث عن طريق رسالة الدكتوراه التي كتبها وكانت بعنوان لافت «إشكاليات ترجمة القرآن إلى اللغة الرومانية» ، وبالتوازي مع كل ذلك كان عليه أن يقرأ تفسير القرآن الكريم من منابعه العربية الإسلامية، فقرأ الطبري والزمخشري والبيضاوي وآخرين، وبالتوازي مع كل ذلك كان يضع نصب عينيه الانفلات من الترجمات التفسيرية، وعدم الوقوع في فخ الميتافيزيقا المسيحية التاريخية، وعدم الاستسلام للمنهج العلمي الابستمولوجي الصرف . تلك المسيرة الطويلة من البحث وتقليب الأوراق والذائقة خلال 15 عاماً أفضت به إلى إطلاق نسخته الأولى غير المسبوقة في ترجمة القرآن الكريم كاملاً إلى اللغة الرومانية، موجهاً خطابه لأكثر من عشرين مليون روماني مقيمين في بلادهم وبضع ملايين أخرى منتشرين في العالم الواسع، ومن المحزن الإشارة هنا إلى أن «جريجوري» اضطر إلى إطلاق نسخته الأولى للترجمة بطباعة شعبية متواضعة، ولم يجد حتى اللحظة من يرتقي بتلك النسخة إلى مستوى الإصدار الطباعي الذي يليق بالقرآن الكريم ، بالرغم من أنه عرض ذلك مراراً وتكراراً محبة في الإسلام والعرب، ولكن لا حياة لمن تنادي . تعتبر ترجمة «جريجوري» للقرآن الكريم في نسخته الرومانية حالة مفارقة تماماً لكل الترجمات الأوروبية ، فقد سعى بكل دأب لاستبدال التفسير الشكلاني بالتماهي الإيجابي مع النص ذوقاً واستسباراً، مما جعله يفرد قاموساً موازياً للمصطلحات القرآنية، مدركاً أن من المستحيل ترجمة بعض المفاهيم القرآنية في كلمة واحدة موازية ،مثل مفاهيم ومعاني كلمات : الجهاد ، الاستشهاد ، القيام ، القعود ، الصراط ، اللوح، إلخ، فكان عليه أن يكتب تلك الكلمات باللغة العربية في المتن، وأن يفرد لها هامشاً تفسيرياً واسعاً تمكن القارئ الروماني من الاقتراب من مغزى ودلالة تلك المفردات والمفاهيم القرآنية. ولمزيد من توكيد هذه الحقيقة الأزلية المرتبطة بلغة الوحي والنزول، كتب «جريجوري» نص الفاتحة باللغة العربية في غلاف الترجمة، في إشارة دالة إلى المغزى العميق لضرورة معرفة القرآن واستكناه أغواره عبر لغة الوحي ، وفي ذلك اعتراف ضمني بأن أية ترجمة للقرآن الكريم لا يمكنها أن ترتقي إلى مستوى النص القرآني في مبناه ومعناه.