كانت مغادرة النبي عليه الصلاة والسلام مكة إلى المدينة، قد فهمت من كثير من سادة مكة أنها هزيمة لحقت بمحمد ومن تبعه من الضعفاء الأذلاء وتكون مكة قد ذهب عنها شر عظيم ودعوة باطلة. ولأصنامها أن تظل محوطة بالتقديس والتعظيم والتكريم والتبجيل يأتيها العرب من كل مكان، يقدمون لها القرابين والشعائر ويذبحون عند الأنصاب والأزلام كرائم أموالهم، أما الله فلقد شاء أمراً آخر، أن تكون الهجرة إلى المدينة إعداداً وتنظيماً لاسترداد مكة المخطوفة بيد الضلال والشرك..فكان الاعداد يصنعه الله على عينه إذ تهيأت الأسباب واستجمعت القوى ولما رأت قريش أن محمداً وأصحابه يتكاثر ايمانهم، ويشتد حماسهم وأن أموال الفقراء التي صادرها أهل مكة والأعراض التي اعتدوا عليها والأرواح التي أتوا عليها والدماء التي سفكوها، وجدوا أن محمداً وأصحابه لامفر من الثأر لها بل لما وجدوا أن الإسلام لاشك ظاهر وأن أنواره الوهاجة بدأت تظل يثرب وماجاورها من القرى عزموا على أن يقضوا على هذا الدين الجديد من مهده فبدأوا يستفزون المسلمين، ويسددون إليهم الضربة تلو الأخرى غير أن الله قد أذن للمسلمين أن يدفعوا عن أعراضهم وأموالهم ويهاجموا الشرك في معقله ويستنقذوا بيت الله المقدس وحرمه الآمن من يد الشرك والضلال. خرج النبي الكريم ومعه أصحابه الميامين إلى بدر وقد وقر في نفوسهم أنهم ملاقو عدوهم لا محاله ظل الرسول الكريم وقد فرغ من ترتيب المعركة يناجي ربه باكياً متضرعاً قائلاً «وهو ينظر إلى أصحابه الذين نذروا أرواحهم في سبيل الله» اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد» فماذا يفعل عدد هذه العصابة وهو عدد قليل مقابل حشود من العدو والعدة يشترك في دعمها طابور اليهود. والمنافقون في المدينة يحطون من معنويات المسلمين ويخذلون من لايزال في قلبه بعض حمية ممن تخلف عن القتال في المدينة. تحتدم المعركة وتبدأ بشائر النصر بقتل بعض سادة قريش الذين طلبوا النزال بداية، فإن هي غير مدة قصيرة حتى تنزلت الملائكة لتنصر المسلمين «ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة» فجاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً وهكذا فإن قريشاً التي قامت بتزييف الوعي الشعبي تبوء بالخسران فيصدق وعد الله لرسوله وللمؤمنين. إن المصالح الخاصة للأفراد ينبغي أن تتنازل لمصالح الأمة ولنا في التاريخ عبرة ياأولي الأبصار فمصلحة الأمة هي النصرة دائماً وأبداً.