ربما كانت أبلغ دروس الهجرة النبوية هي إعلان الدعوة الإسلامية بعد أن تم المهاد لها تمهيداً ممتازاً، ليضمن النبي الكريم قوة مادية ومعنوية يستند إليها دين الله القادر على أن يهزم قريشاً ومن والاها دون هجرة ولا جهاد، ولكنها سنة الله الماضية، فكانت بيعة العقبة الأولى ثم الثانية، لتنطلق الدعوة الجديدة على بصيرة، من باب أخذ الأسباب. كانت الهجرة معجزات، أما الأولى فمعجزة حفظ الله لنبيه الكريم وسيدنا صاحبه الجليل أبي بكر رضي الله عنه من بطش المشركين الذين ساروا على هدى الشيطان الذي تمثل لهم في شخص أبي جهل حين أشار عليهم أن يقوم فتى من كل قبيلة من قريش ليجهزوا على الرسول بهجمة رجل واحد، فيتفرق دمه بين القبائل. فكان أن أذن الله لرسوله بالهجرة ومفارقة وطنه الحبيب «مكة» فعميت أعين قريش، غير واحد أذن الله له بالهداية، فعمى على قريش، مقابل أن يلبس سوارى «كسرى» بعد حين، بعد أن ثبت له بإصاخة قوائم فرسه بأن هذا الهارب بدينه من بطش قريش رسول الله إلى العالمين. أما المعجزة الثانية، فبعد مائة وخمسين سنة من حرب ضروس بين قبائل يثرب «الأوس والخزرج» وهي حرب رهنت القبيلتان المحتربتان أرضها ونفائس أموالها عند اليهود، ليمدوهم بالسلاح والمكيدة، بعد هذه المدة من الاحتراب والخراب أصبحت القبيلتان من أفضل القبائل أخوّة ومحبة ومودة بفضل مقدم سيد الكائنات إلى يثرب، أما المعجزة الثالثة فهي زوال هؤلاء اليهود الذين كانوا بمثابة مشعل للفتنة في المنطقة ورحيلهم عنها بعد أن كادت تنقرض من الجنس العربي... إلخ. ومعجزات أخرى تمثلت في نزول الملائكة تقاتل وتثبت المؤمنين في أحد وبدر والخندق. الهجرة درس بليغ يعلّم المسلمين إعداد العدة، والتجهيز لمحاربة أعداء الحقيقة المطلقة، الله ورسوله، ثم هي درس للأخذ بالأسباب، ثم هي سير على سنة الله التي قضت أنه لابد من صراع للباطل والصبر على الأذى، ثم هي درس بليغ يعلّم المسلمين أن التضحية بالمال والنفس والوطن «مكة» في سبيل الله تعالى واجب لحماية المال والنفس والوطن. دروس كثيرة من الهجرة آن للمسلمين أن يفيدوا منها في ظل هذا الوضع البئيس.