يستجيب اليمانيون من أهل يثرب لدعوة الإسلام فيؤكدون في بيعة العقبة الأولى، بيعة النساء، عدم الشرك والزنا وعدم معصية الرسول في معروف، وألا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن. ويرسل الرسول «عليه الصلاة والسلام» مع أهل العقبة ابن عمه مصعب بن عمير بن عبد مناف، يعلمهم القرآن ويفقههم في الدين ويؤمهم في الصلاة، وسرعان ما يذيع أمر الدين في المدينةالمنورة حتى إذا كانت بيعة العقبة الثانية وقد تأسس في العقبة الأولى بعض عرى الإسلام، كانت البيعة أكثر وضوحاً، ولقد حددت بنودها الحماية الكاملة للرسول «عليه الصلاة والسلام» إن هو أراد أن يلحق بقومه اليمانيين في يثرب؛ تنص هذه البيعة التي حضرها أشراف يثرب ومنهم كعب بن مالك والبراء بن معرور وسعد بن الربيع وسعد بن عبادة وأسيد بن خضير، فبايعوا رسول الله على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم.. ثم أمرهم رسول الله أن يرجعوا إلى رحالهم، فقال له العباس بن عباد: والله الذي بعثك بالحق لو شئت لنميلن على أهل منى غداً بأسيافنا، فقال عليه الصلاة والسلام: لم نؤمر بذلك؛ ولكن ارجعوا إلى رحالكم. كانت يثرب لا تهدأ من هذا الاحتراب الداخلي الجاهلي الذي تؤججه يهود بين قبيلتين هما الأوس والخزرج، فلما سمع أهل يثرب بهذا الدين الجديد أنه يأمر بالأخوّة والمحبة ويدعو إلى السلام والمساواة وينبذ نعرات الجاهلية والشرك والوثنية، فطنوا إلى أن هذا الدين هو الذي يضمن لهم مجتمعاً خالياً من الكراهية والبغضاء، فذهبوا يتلقون هذه التعاليم من رسول الله في مكة، يستمعون إليه وهو يعرض نفسه على حجاج البيت المليء بالأصنام والأوثان والكبر والغطرسة والقوة الغشوم التي تضطهد الإنسان لأنه فقير أو محروم، فلما آنس رسول الله إلى أن هذا الدين القويم قد وجد له وطناً آمناً يحميه كرام القوم ويلتف حوله الصغير والكبير أذن الله لنبيه الهجرة إلى المدينة، لتبدأ مرحلة الإعداد والتنظيم وتكون المدينةالمنورة هي قاعدة الانطلاق ليشع نور الله في كل أرجاء العالم. وهكذا فإن العقبة الأولى كانت تتويجاً لمراحل سابقة من الدعوة إلى الله، فجاءت هذه البيعة لتحدد بعض القيم التي ينبغي أن تتوثق حتى إذا جاءت العقبة الثانية، كان العهد وثيقاً يؤكد حماية هذه القيم بالحرب والمواجهة إن اقتضت الظروف. ونخلص في كثير من النتائج إلى أن الهجرة تؤدي معنى التضحية في سبيل الله، فما أحرانا أن نلتمس هذه المعاني العظيمة لنهجر كل ما يؤذي المسلمين ومنها غلاء الأسعار.