الحاكمية العربية أسّ المشكلة وجوهر العلة الاشتباكية غير الحميدة مع التاريخ الخاص والبشرية السويّة. النماذج “ الطوباوية “ التي كان حُلماً ألفياً لكوكبة من مثقفي الإحياء والنهضة العرب تحولت إلى موديلات مفصلة على مقاسات النظام العربي وبيئته المتناسبة معه جُملةً وتفصيلاً، فالماركسية العربية قبائلية طائفية، والفكر القومي المتأورب شكلاً لا صلة له بالحد الأدنى من الليبرالية، والإسلام السياسي الذي يخرج من أحشاء المتاهات والبؤس يضرب خبط عشواء ذات اليمين وذات اليسار، فما هي المشكلة إذاً؟ وكيف يمكننا الإجابة على السؤال المركزي ؟ وعلى ماذا نُراهن؟. كانت العلاقة بالآخر محكومة بمعادلتي الانخطاف والتماهي السلبي تارة، والرفض العدمي الصارخ مرات كثيرة، فالآخر مُستعمر كالح، ومستغل فج، وباحث عن تدمير الخصوصية العربسلامية ، وشيطان يتدثّر بأردية مخملية ... هذه حالة، والحالة النظيرة أن الآخر نموذج أقصى للحق والحقيقة، وأنه لا بديل من السير على خُطاه رغماً عن التاريخ والجغرافيا، وهذا الآخر يتمثل أساساً في أوروبا وانزياحاتها الكونية في الولاياتالمتحدة واستراليا وكندا . في ظل التماهي السلبي المُنخطف بأوروبا يغيب الشرق وحكمته، فإذا نحن أمام نبع واحد ومدرسة واحدة، منها نستقي الجديد فكراً وفناً ونماذج، ومن المُضحك المُبكي أن أخص خصائص ذلك الآخر الأوروبي تنتفي لدينا، فشرط الوجود العقلاني الشكي الديكارتي لا معنى له عند العرب، والعقد الاجتماعي القديم لجان جاك روسو يشكل حالة مُتقدمة جداً لما نحن عليه الآن، والفصل “ الإجرائي” بين الميتافيزيقا والوجود المادي المباشر نفهمه ألحاداً فحسب، والعلمانية نفي للدين، والليبرالية في ملمحها الأكثر إنسانية بضاعة غربية فاسدة ، فأي نموذج نستدعيه ؟ وكيف يمكننا إلباسه أرديتنا المفارقة له أساساً ؟