ليس مهماً أن يكون هذا المولود ذكراً أو أنثى، وإنما المهم أن يكون مبرأًً من التشوهات النفسية والعقلية.. ليس مهماً أن يكون وسيماً ذا سمات وملامح جذابة، وإنما المهم أن يكون مخه نظيفاً وعقله سليماً وقلبه صافياً وإرادته قوية ينشأ على الفطرة السليمة، ترضعه أمه من صدرها حليباً ممزوجاً بالحب والحنان وتلقنه مبادئ العزة والكرامة، تغذي عقله بحب الفضائل والمعرفة وحب العلوم وتزرع في نفسه معنى العلو والسمو والشموخ، تزين له الإيمان والتقوى وتملأ صدره وقلبه وعقله ونفسه نوراً يهديه إلى حب الله وحب رسوله وحب الوطن وحب الناس جميعاً. تنشئه تنشئة خاصة، تنشئة فريدة من نوعها خالية من عقد التربية الخاطئة، خالية من عقد الجهل بالتربية السليمة، خالية من السلوكيات المنحرفة للآباء والأمهات الذين ينصحون أبناءهم أن يكونوا صادقين في حديثهم، متسامحين مع جيرانهم أوفياء في تعاملهم، فلا يجد الأبناء شيئاً من هذه السلوكيات لدى آبائهم وأمهاتهم.. بل يجدون عندهم المكر والخبث والحقد والكراهية وكل أنواع السلوكيات التي يرفضها الدين وينفر منها الذوق السليم.. فهل يمكن لأي بيئة تفرز هذه الأنماط من السلوكيات أو قريبة منها أن تنجب عقولاً سليمة ونفوساً أبية وهمماً عالية وزعماء موهوبين وقادة ملهمين وحكماء مستنيرين ومصلحين حقيقين .. إلى آخر ماتحتاجه الأوطان من هذه الصفات الراقية للإنسان الذي إن وجد سعدت بوجوده الأوطان فهو إن خطط أصاب وإن قال صدق وإن عمل أتقن وإن استعين به نصح وأخلص..ليس ذلك مستحيلاً.. [وما ذلك على الله بعزيز].. لكن البشر مطالبون أن يأخذوا بالأسباب وأن يقيموا حياتهم على الجد وبذل الجهد وتلمس مواطن القوة والعزة والسعي حثيثاً للوصول إليهما والعيش في كنفهما، فماذا فعلنا نحن؟ هل أخذنا بالأسباب؟ وأين الجد وبذل الجهد في تلمس مواطن القوة والعزة؟ نرجع ونقول: أين هم المصلحون؟ وأين هم الحكماء ليضعوا منهج حياة وبرنامج تربية لأمة تعيش في ظلام التخبط والفوضى في تعاملها مع حاضرها، الذي أخذت دوائره تتسع وتدور بسرعة مفزعة كما لو كانت دوامات عملاقة تجذب إليها كل شيء فتلقيه في أعماقها أو كأنه «أي حاضر الأمة» الثقوب السوداء التي تلتهم كل شيء إلى عالم الضياع!! ألا يوجد في وطننا من يضعون أيديهم على صدورهم خوفاً وقلقاً على مستقبل الأجيال وهم يرون الناس يسيرون في غير ما اتجاه كما لو كانوا معصوبي العيون في طريق غير معبد محفوف بشتى أنواع المخاطر؟؟!! بدون تربية لن يتغير الإنسان.. لن يتغير الواقع، بل سوف يزداد سوءاً على مر الأيام، سوف تتعمق السلوكيات السلبية وسوف يصبح الشذوذ أو الخروج عن المألوف الحسن هو المألوف الجديد الذي يمثل القبح بكل أشكاله وألوانه وأنواعه.. سوف تزداد الأسرة انحداراً نحو الأسوأ ويزداد التعليم رداءة وتخلفاً ويزداد شبابنا رعونة وطيشاً، ويتحول الموظفون إلى نمارة متوحشين لا يجرؤ الاقتراب منهم إلا من بيده «حربة» على هيئة «رشوة» يقدمها لهم مقابل أي عمل يقومون به.. وهكذا قس على ذلك كل أمور الحياة..نحن بحاجة إلى خبراء تربويين مبدعين على مستوى المدرسة والمعهد والجامعة والمنزل .. لماذا لانجد إلا موظفين تربويين.. نحتاج خبراء تربويين على مستوى اليمن يرسمون الخطط ويضعون مناهج تربوية ويقيمون البرامج «الحية» وليس «الميتة» لتنفيذ الخطط والمناهج تنفيذاً عملياً مبدعا.. تنفيذاً نابضاً بالحياة، وليس تنفيذاً أعمى، لايصدر إلا عن عميان.. نريد خبراء في التربية ندفع لهم أجرهم بسخاء.. نقتطع لهم من قوتنا وقوت عيالنا، حتى لنجعلهم من أكثرنا مالاً ورخاءً وازدهاراً.. ولكن أين هم؟ هل عقمت اليمن أن تنجب خبراء في التربية وفي الاقتصاد وفي الصحة وفي سائر كل فروع المعرفة والوظائف والمهن؟ يحدث كل هذا الخلل في الساحة والأحزاب تتفرج لاتحرك ساكناً كأن الأمر لايعنيها.. كأن القضية قضية سياسية بحتة.. كأنها لايلزمها أن يكون من بين كوادرها مبدعون في التربية، مبدعون في الاقتصاد ومبدعون في كل شأن من شئون الحياة.. ياأعزاءنا وأحبابنا قادة الأحزاب وزعمائها وفرسانها: ماذا تستفيد اليمن من ألف ملاوع وألف مكابر وألف كذاب..؟ في حين أنها أي اليمن سوف تجد الفائدة القصوى، وستجد الأمن والاستقرار وتشعر بالرضا لو أن كل حزب من هذه الأحزاب اجتهد في تأهيل وإعداد أقل عدد يقدر عليه من تلك الكوادر الممتازة في شتى مجالات الحياة: في التربية، في الاقتصاد، في علم الاجتماع.. في علم النجوم، فأين بالله عليكم هي بصمات الأحزاب العلمية والتربوية والثقافية على مستوى الساحة اليمنية كلها؟!! أين؟ أين؟ أين هي؟ياأيها المفكرون والصحافيون والكتاب والأدباء: ألا تستحق اليمن بطولها وعرضها وتاريخها ومجدها وسكانها الذين يزيدون عن العشرين مليوناً من البشر أن نتناسى خلافاتنا وننبذ الضغائن والأحقاد والعقد التي ورثناها عن أيام التشطير من عهد الإنجليز والأئمة ، ألا تستحق اليمن بجلال قدرها أن نراها بعيون يمنية خالصة ؟! ألا تستحق اليمن أن نمسح من أجلها كل الألوان والأطياف الحمراء وتحت الحمراء والبنفسجية ومافوقها وماتحتها ونزيل الألوان القاتمة والمظلمة حتى نرى بلادنا كما هي على حقيقتها بعيداً عن عيون المغرضين وسوء قصد القاصدين «والموضوع لم ينته بعد».