هل يكفي أن نطلق النعُوت والأوصاف ونصدر الأحكام على طبائع وسجايا وأخلاق هذا الجيل بأنها رديئة وغير معقولة ولا مقبولة،؟ ثم نختم وصفنا لهذا الجيل بأنه لافائدة منه وليس هناك ثمة أمل في إصلاحه.. وأنهم لن يتغيروا أبداً فقد طاف عليشهم طائف من «المسخ» فتركهم هكذا ، مجردين عن القدرة في إيتاء الفعل الحسن وليس لهم من مخرج من ظلمات الشعور بالإحباط واليأس...هكذا دون أن نفعل شيئاً من أجلهم يعيد لهم الأمل في القدرة على التغيير والقدرة على النهوض والانطلاق؟! ثم نذهب بعد هذه الرؤية القاتمة لننعم بسبات عميق ،كما لو كنا قد بذلنا كل ما في وسعنا لإصلاح أمور شبابنا، فلا يبقى سوى الركون إلى الراحة والاسترخاء والاستمتاع بالخمول، راضين عن أنفسنا كل الرضا، مصدقين أوهامنا وخيالاتنا الكليلة أو المريضة بأنه لن يكون هناك أفضل مما هو كائن، وليس هناك ممكن آخر غير الذي نراه أمامنا ونجده حولنا. هكذا تمضي أمورنا هاربين أو مختبئين من الحقيقة الناصعة التي تشير إلينا بالاتهام بأننا لم نبذل أي جهد في الإصلاح الحقيقي لأمور الشباب، وإلا بالله عليكم ردوا على تساؤلنا: هل بدأ التربويون وضع منهج لإصلاح التعليم خلال المائة السنة القادمة؟ أو الخمسين السنة القادمة أو العشرين السنة القادمة أو العشر أو السنتين القادمتين؟ هل بدأ خبراء الاجتماع يضعون تصوراتهم لإصلاح شئون الأسرة خلال سنة واحدة وليس مائة عام؟! هل بدأ رجال الثقافة والصحافة والمفكرون يضعون تصورات كاملة لإيجاد حلول حقيقية تصبح حديث الإذاعة والتلفاز وحديث البيت والمدرسة والشارع...؟! ماذا نفعل نحن بهذه الأحاديث التي نراها ونسمعها من محدثين قد يحسنون الكلام ولكن أحاديثهم تظل أفكاراً طائرة تحلّق في الهواء لا تجد لها مهبطاً تستقر فيه إلا أن يكون مهبطها أدراج الإهمال والنسيان!! والسؤال الذي يطرح نفسه : هل لدينا قيادات تربوية حقيقية في اليمن؟ ومعذرة أيها الكرام.. فأنا لا أسأل عن موظفين تربويين، فهؤلاء يغطون عين الشمس من كثرتهم ويتفاوتون في القدرات وفي الفهم وفي المعرفة، فمنهم من يحتاج فقط إلى عناية متواضعة من الجهات المختصة لإعادة تأهيله وإعداده ليكتسب خبرة القائد التربوي بحيث يشكل منارة تربوية يمكن الركون عليها في إنارة الطريق وفي وضع المناهج وإعداد قاعدة تربوية تصلح أن تكون مركزاً متقدماً مستنيراً لإعداد وتأهيل أجيال قادمة من التربويين الحقيقيين ومنهم من يحتاج لأكثر من مائة سنة لإعداده وتأهيله لشدة غفلته!! ولا تخلو الساحة التربوية من النماذج السيئة من الفاشلين التربويين الذين ليس لهم من عمل سوى وضع العراقيل والصعوبات أمام الطلبة في أقسام التسجيل وفي وضع الامتحانات وفي توزيع المنهج على من يستحق ومن لا يستحق والذين لا يزيدون التربية إلا رهقاً وإن كانوا ليسوا سواء، لكن هناك الكثيرين منهم ما خُيرّ بين أمرين إلا اختار أشدهما وأكثرهما صعوبة في التعامل مع الطلبة ومع الواقع على مستوى المدرسة والإدارة التربوية ووزارة التربية والتعليم والجامعة، أما في لجان الامتحانات فشعارهم هناك فقط:"يسرِّوا ولا تُعسرِّوا» فكان هذا الأسلوب في التعامل مع الطلبة في لجان الامتحانات سبباً هاماً من أسباب انحطاط مستوى الطلاب وتشويه سمعة التعليم في بلادنا على مستوى الداخل والخارج. وإذا كنا هنا في هذه العجالة لانجد ما يفي بحق القلة القليلة النادرة من التربويين الممتازين سوى أن نرسل باقة ورد على صفحات جريدة «الجمهورية» العزيزة مقابل كل جهد مبدع يلمسه الناس في تعاملهم «أي التربويين المبدعين» مع الواقع التعليمي بقصد النهوض به وتطويره ، فإننا في نفس الوقت نشير إلى أن واقعنا التعليمي مريض.. وأن ما نراه ونجده من تردٍ في السلوك والأخلاق والممارسات ..وما نراه ونجده في مواقع العمل من«خيبة»ورداءة في الأداء، وعدم التزام أو إخلاص في تأدية المهام وغياب الإتقان في المنتج وركاكة المصنوع وقلة الاكتراث بالجودة واللامبالاة في أن يكون لكل إنسان دوره وواجباته تجاه خدمة الوطن وخدمة الناس إلى غير ذلك من السلبيات والعاهات والتشوهات والقبح في أخلاق الناس وسلوكياتهم إنما هو انعكاس صارخ لرداءة التربية والتعليم.. فالتربية سيئة وكذلك التعليم على كل المستويات بداية من البيت ثم المدرسة والمعهد والجامعة...فهناك قصور ليس فقط في وضع المناهج وتطبيق القواعد الصحيحة والسليمة في التعامل مع النشء وإنما هناك قصور في التوجيه وسوء الأداء التربوي. ولابد أن يعلم التربويون أنهم يتحملون مسئولية الخلل في الانحراف على أرض الواقع.. الأمر الذي يجعلنا نعتقد أو نظن أن التربويين لا يعرفون معنى التربية الحقيقية سوى القلة منهم..فماذا يستطيع القلة القليلة من التربويين الممتازين أن يفعلوا وسط بحر متموج من موظفي التربية المنتشرين كالأخطبوط في محيطات التعليم..؟ ومع ذلك، فلابد أن نعلم أنهم حائرون مثلنا وقلقون وخائفون فماذا باستطاعتهم أن يفعلوا؟هل يتركون وظائفهم لمجرد شعورهم أنهم غير أكفاء؟ فما ذنب الإنسان إذا وجد نفسه في وضع وظيفي أكبر من قدرته؟ هل وجدوا من يدعونهم إلى تأهيل أنفسهم بالقدر الكافي فرفضوا؟ثم هبهم قرروا الانسحاب فإلى أين؟ ومن سيحل مكانهم؟ وهل سيكون البديل أفضل من القديم؟ كيف يكون ذلك ؟...«فالموضوع لم ينته بعد»..