كثير ممّن يسمع عن الأزمة المالية العالمية يعتقد أنها أزمة اقتصادية، أي لا يفرّق بين الأزمة المالية والأزمة الاقتصادية.. وهنا أحاول التوضيح، أن الأزمة المالية هي أزمة في كل المعاملات النقدية سواء في البنوك أم البورصات وتداولاتها، وهذه الأزمة نتجت بسبب أن الأوراق المالية بمختلف أشكالها وأنواعها صارت تستخدم كسلع، بدلاً من كونها وسيلة للتبادلات بين مختلف قطاعات الإنتاج.. وأصبحت المؤسسات النقدية تستغل الأوراق النقدية في المضاربات والقروض ذات الفائدة العالية، خاصة في العقارات، وذلك بهدف تزايد رؤوس أموال وفوائد المؤسسات... لكنها فجأة وجدت نفسها مفلسة لتبدأ بالانهيار والبيع والاندماج وبيع الديون، وما شابه ذلك من الحلول التي لا تحل المشكلة بل تضاعفها وتزيد من وطأتها، وتصبح القروض أكثر استعصاءً على الاسترجاع، وهو ما سوف يعقّد الأزمة المالية. الأزمة الاقتصادية، أو الاقتصاديات العالمية هي ما نعرفه بقطاعات الإنتاج «كالزراعة، الصناعة، الخدمات، المواصلات والتعدين»، وكل القطاعات الإنتاجية الأخرى، وعليه فإن الفرق واضح الآن... لكن لا يعني ذلك أن هذه القطاعات ستبقى بمنأى عن الأزمة المالية، بل ستتأثر، وقد بدأت تتأثر وذلك نتيجة انخفاض القوة الشرائية في السوق بسبب الأزمة المالية.. وهذا ما سيؤدي إلى تراجع كثير من القطاعات الإنتاجية، وخفض منتجاتها، وإقفال الكثير من خطوط الإنتاج والتسويق، وما يتبع ذلك من إيقاف الكثير من العاملين والفنيين والمهندسين والمخططين والإداريين والمسوّقين، والماليين، مما يرفع نسبة البطالة، وتزايد ضعف القوة الشرائية، ويدخل اقتصادات العالم تدريجياً في مرحلة كساد وركود. ما تقوم به الدولة في الغرب لمواجهة المشكلة عبر ضخ مئات المليارات للمؤسسات النقدية لاتحل المشكلة، لأنها لاتعالج الأسباب، ولم تبحث فيها، ولم تهتم بالرقابة، ولابوضع سياسات بديلة.. هذا ما أدركه الاتحاد الأوروبي ممّثلاً ب(ساركوزي) الرئيس الفرنسي الذي زار واشنطن، والتقى (بوش) وناقش معه الأزمة، رافضاً كل المعالجات الأمريكية للأزمة، رغم أن الولاياتالمتحدة هي سبب الأزمة... مشيراً إلى ضرورة إعادة النظر في النظام الرأسمالي وقيمه. الحقيقة أن النظام الرأسمالي يحتاج إلى صياغة جديدة تحدّ من الحرية المطلقة، وتعيد المال لمهمته «كوسيلة» وليس كسلعة... بحيث يصبح في الخدمة ولتسهيل عمليات الاستثمار في القطاعات الإنتاجية المختلفة بحيث تأتي الفوائد المالية كعوائد للعمليات الاستثمارية، وتطور وتوسع قطاعات الإنتاج المختلفة... لأن هذا هو الحل، أي إعادة الدورة المالية، أو رأس المال إلى دورته الطبيعية والمتوازنة في دائرة مالية مغلقة تشمل «العمل، الإنتاج، السوق، والمال».