- عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    مغالطات غريبة في تصريحات اللواء الركن فرج البحسني بشأن تحرير ساحل حضرموت! (شاهد المفاجأة)    الإنتقالي يرسل قوة امنية كبيرة الى يافع    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    "صفقة سرية" تُهدّد مستقبل اليمن: هل تُشعل حربًا جديدة في المنطقة؟..صحيفة مصرية تكشف مايجري    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    إلا الزنداني!!    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    البحسني يشهد تدريبات لقوات النخبة الحضرمية والأمن    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    الشيخ الزنداني رفيق الثوار وإمام الدعاة (بورتريه)    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    "جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    المجلس الانتقالي بشبوة يرفض قرار الخونجي حيدان بتعيين مسئول أمني    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مخاطر غسل الأموال على الإقتصاد الوطني اليمني
نشر في نبأ نيوز يوم 18 - 11 - 2008

دراسة: د. أبو بكر مرشد الزهيري- أستاذ القانون العام المساعد/ كلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
مقدمة:-
تعد الجريمة المنظمة هي الأكثر خطراً على المجتمعات, فالتخطيط والتنظيم يكفل لها النجاح والاستمرار ويصعب مهمة أجهزة العدالة الجنائية في مكافحتها. وجريمة غسل الأموال إحدى صور الجريمة المنظمة ذات الخطورة البالغة التي تخلف الكثير من المخاطر والآثار السلبية على الأنظمة المالية والمصرفية, بل على الأمن الاقتصادي برمته فضلاً عن تأثيرها المباشر على الأمن الاجتماعي, حيث تقف وراءها عصابات إجرامية منظمة بأعلى صور الإعداد والتنظيم, مستخدمة أساليب وأدوات متنوعة ومستفيدة من أحدث التطورات التقنية والمعلوماتية.
يزيد من خطورة هذه الجرائم وآثارها السلبية أنها من الجرائم المركبة, حيث أن عمليات الغسل تجري في الأساس على (متحصلات) أو عائدات من أنشطة غير مشروعة وجرائم سابقة يطلق عليها البعض الجرائم الأساسية أو الجرائم الأولية والتي تشمل عدداً من الجرائم ذات الخطورة الاجتماعية كجرائم المخدرات والجرائم الإرهابية.
ومن من شك في أن ظاهرة العولمة وما صاحبها من تطورات اقتصادية كحرية حركة الأموال بين الدول وتخفيف القيود عليها, وانفتاح الأسواق المحلية أمام المستثمرين الأجانب, وإلغاء الرقابة على الصرف, شكلت عاملاً هاما ومؤثراً في ازدياد هذه الجرائم, فضلاً عن التطور الكبير في الوسائل التكنولوجية وظهور العديد من الوسائل الفنية الالكترونية الحديثة لنقل الأموال وتداولها وأنظمة الدفع, حيث ساهمت هذه الوسائل في انتشار جرائم غسل الأموال وتسهيل ارتكابها.
وعلى الرغم من الاهتمام الكبير الذي توليه الأسرة الدولية للحد من جرائم غسل الأموال بشتى الوسائل القانونية والعلمية والعملية إلا أنها ما تزال في تفاقم مستمر, وبالتالي فإن آثارها السلبية في توسع وازدياد بحيث شملت معظم دول العالم, وزادت معاناة الدول النامية على وجه الخصوص نظراً لضعف اقتصادياتها وحاجتها لاستقطاب رؤوس الأموال لتنفيذ برامجها وخططها التنموية, وما يستدعيه ذلك من إتباع سياسة الانفتاح والتخفيف من القيود على الأموال المتدفقة, في الوقت الذي لا يتم فيه استثمار الأموال القذرة – المتحصلة من أنشطة غير مشروعة – في المشاريع التنموية الحقيقية , كون الهدف الرئيسي من تحويل الأموال لهذه الدول يكمن في إخفاء مصادرها غير المشروعة.
وبالنسبة لمخاطر جرائم غسل الأموال وآثارها السلبية فهي مخاطر عديدة ومتنوعة وذات تأثير بالغ على مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية.
غير أننا سنقصر حديثنا في هذه الورقة على مخاطر جرائم غسل الأموال على الاقتصاد الوطني, مع العلم أن مخاطر هذه الجرائم الاجتماعية والسياسية والأمنية لها تأثير غير مباشر على الاقتصاد , وبالتالي من الصعوبة بمكان فصل المخاطر الاقتصادية لهذه الجرائم عن المخاطر الأخرى وعلى الخصوص المخاطر الاجتماعية.
وتتمثل أهم مخاطر هذه الجرائم على الاقتصاد الوطني بالآتي:
أولاً: مخاطر غسل الأموال على الاستثمار:
1- الإخلال بالمنافسة المتكافئة للمستثمرين:
لما كان مرتكبو جرائم غسل الأموال لا يبحثون عن المشروعات الاستثمارية التي تدر لهم عائدات مرتفعة بقدر ما يبحثون عن اخفاء المصادر غير المشروعة لأموالهم, فإنهم يدخلون في مشروعات استثمارية بهدف إضفاء المشروعية على الأموال المتحصلة من جرائم, وهذا يؤدي إلى تحجيم دور الشركات المنافسة ذات الاستثمارات المفيدة, فولوج غاسلو الأموال في استثمارات محفوفة بالمخاطر ينعكس سلباً على رجال الأعمال والمستثمرين الجادين.

2- افساد المناخ الاستثماري:
المناخ الاستثماري في البلد هو عبارة عن مجموعة عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية وتشريعية تعمل على زرع الثقة وتوفير الاستقرار المشجع للاستثمار, وانتشار جرائم غسل الأموال يفقد ثقة المستثمرين بالنظام الاقتصادي والتشريعات المنظمة له.
3- خلق بيئة طاردة للاستثمار:
يلجأ غاسلو الأموال إلى إنشاء شركات والدخول في استثمارات بأموال غير مشروعة, وتكون هذه الشركات والاستثمارات قادرة على عرض سلعها وخدماتها بأسعار تنافسية لا تقدر عليها الشركات والمشروعات ذات الاستثمارات الجادة, الأمر الذي يؤدي إلى خروج الأخيرة من المنافسة فيعزف المستثمرين عن ضخ المزيد من أموالهم للاستثمار في الاقتصاد الوطني وتحويل استثماراتهم للخارج.
كما أن خروج رأس المال الوطني وتحويله إلى الخارج بهدف غسله يؤدي إلى نقص الأموال المفترض استغلالها في الاستثمار في الاقتصاد الوطني, فيزداد الطلب على النقد الأجنبي لتحويل الأموال المتحصلة من طرق غير مشروعة الخارج في ظل محدودية النقد الأجنبي مما يؤدي إلى التزاحم على النقد الأجنبي, بين راغبي تحويل الأموال إلى الخارج وبين راغبي الاستثمار الحقيقي, فينشأ نوع من التنافس الشديد بينهم ولا شك أن غاسلي الأموال سيكسبون الجولة في هذا التنافس, فسيعملون على خلق سوق سوداء من خلال اللجوء إلى حائزي النقد الأجنبي من القطاع العام, وافساد بعض العاملين في المؤسسات التي تتعامل بالنقد الأجنبي, كل ذلك سيؤدي إلى احباط المستثمرين الجادين ويدفعهم إلى توظيف أموالهم واستثمارها في الخارج.
4- العجز عن الوفاء باحتياجات الاستثمار:
تؤدي عمليات غسل الأموال التي تتم عن طريق تهريب الأموال أو تحويلها إلى الخارج إلى العجز عن الوفاء باحتياجات الاستثمار, ومن ثم اتساع الفجوة التمويلية, فيتم ايداع رؤوس الأموال الوطنية في البنوك الأجنبية بدلاً من أن تأخذ طريقها للاستثمار في الاقتصاد الوطني.
5- التحول إلى الاستثمارات غير المنتجة:
نظراً لعدم اهتمام غاسلو الأموال بالمشاركة في تنمية الاقتصاد الوطني أو الدخول في استثمارات تحقق لهم الربح, حيث ينصرف اهتمامهم لاخفاء المصدر الإجرامي لهذه الأموال وتحويلها بطرق آمنة إلى أموال نظيفة بغض النظر عما يترتب على ذلك من آثار بالاقتصاد الوطني, فإن أنشطة غاسلي الأموال تؤدي إلى سوء تخصيص الموارد, فتتحول من مجالات الاستثمار المنتج الذي تحتاجه اقتصاديات البلد كدولة نامية إلى الاستثمار غير المنتج الذي لا يحتاج إليه الاقتصاد الوطني, أو على الأقل لا يحتل مكانة متقدمة في ترتيب الأولويات.
6- تعريض القطاع الخاص للمخاطر.
يستخدم غاسلو الأموال شركات وأهمية أو ما يطلق عليها ( شركات الواجهة) التي تبدو في الظاهر أنها تمارس أعمال وأنشطة مشروعة, بينما هي في الحقيقة تحت سيطرة عصابات غسل الأموال, حيث تقوم هذه الشركات بدمج الأموال غير المشروعة بالأموال المشروعة, وتتيح القدرة المالية لهذه الشركات دعم منتجات وخدمات ولو كانت أسعارها دون سعر السوق لأن هدفها – كما أسلفنا ليس الربح وإنما اخفاء مصادر الأموال غير المشروعة, الأمر الذي يضر بشركات القطاع الخاص واستثماراتها الجادة ويعرضها للمخاطر.
ثانياً: مخاطر غسل الأموال على الدخل القومي وتوزيعه:
1. المخاطر على الدخل القومي.
أ. تؤدي عمليات غسل الأموال إلى اقتطاع جزء من الدخل القومي وتحويله للخارج, كون هذه العمليات تقوم في الغالب على أساس تهريب رأس المال الوطني وإيداعه في البنوك والمصاريف الأجنبية, الأمر الذي يؤثر سلباً على حجم الدخل القومي ويحرم الاقتصاد الوطني من الاستفادة من الجزء المهرب من الدخل القومي.
ب. أن الدخول والمتحصلات غير المشروعة التي تشكل مصدراً الغاسلي الأموال تؤدي بالضرورة إلى انخفاض الإنتاج في الاقتصاد القومي, الأمر الذي ينتج عنه انخفاض الدخل القومي وما يرتبط بذلك من تراجع في معدل النمو الاقتصادي.
كما أن انخفاض الدخل الناجم عن هذه العمليات قد يدفع الحكومة لفرض أعباء ضريبية إضافية مما يزيد معاناة دافعو الضرائب والممولون ويخفض حجم مدخراتهم.
ج. نظراً لأن جانباً كبيراً من أنشطة وعمليات غسل الأموال أنشطة متهربة من سداد الضرائب المستحقة لخزينة الدولة, فإنها تحرم خزينة الدولة من أحد الموارد الهامة, فتضعف الموارد المتاحة لدى الدولة, مما يؤدي إلى العجز في ميزانية الدولة, وبالتالي عدم القدرة على تمويل البرامج الاقتصادية.
د. زيادة الفجوة بين الدخل القومي الرسمي والدخل القومي الحقيقي, الأمر الذي يؤدي إلى أخطاء في السياسات المالية ويهدد برامج وخطط التنمية.
ه. الطلب المتزايد من قبل غاسلي الأموال على النقد الأجنبي, ما يؤدي إليه من ارتفاع سعر الصرف وتدهور سعر العملة الوطنية كل ذلك قد يصيب المجتمع بظواهر اقتصادية متعارضة فترتفع أسعار الواردات حيث لا توجد تغطية كافية من العملات الأجنبية,ويعاني الإنتاج الوطني من الركود وعدم قدرة السوق على امتصاص واستيعاب منتجاته فتتكرس بالمخازن, وتزداد الخسائر.
وازدياد عمليات غسل الأموال يدفع الدول في سبيل مكافحتها إلى زيادة الاهتمام بالشئون الأمنية ومضاعفة النفقات على هذه الأجهزة على حساب خطط وبرامج التنمية الاقتصادية الاجتماعية, فتتعطل الكثير من هذه الخطط والبرامج الأمر الذي ينعكس سلباً على معدلات الناتج المحليٍ.
2- المخاطر على توزيع الدخل القومي:
أ. تؤدي عمليات غسل الأموال إلى حصول فئات غير منتجة على دخول غير مشروعه على حساب فئات منتجة, الأمر الذي يهدد توزيع الدخل بين فئات المجتمع فتزداد الفجوات بين الأغنياء والفقراء نتيجة سوء توزيع الدخل القومي, ويترتب على ذلك عدم فاعلية السياسات المالية في اعادة توزيع الدخل القومي طبقاً للأهداف العامة.
ولأن جزءاً من الأموال المغسولة ناجم عن التهرب الضريبي فإن هذا التهرب يؤدي إلى تعطيل وظيفة من وظائف الدولة ويحد من كفاية السياسات المالية وفاعليتها في اعادة توزيع الدخل القومي بما يحقق التوازن الاقتصادي والاجتماعي.
ب. ينتج عن عمليات غسل الأموال زيادة القوة الشرائية لدى القائمين بهذه العمليات وهي فئة تتسم بعدم الرشد وزيادة النفقات الاستهلاكية والترفيهية, فترتفع الأسعار ويرتفع معدل التضخم وما يصاحب ذلك من تدهور في القوة الشرائية للعملة, الأمر الذي يضر بذوي الدخول الثابتة والمحددة, حيث تتراجع مراكزهم النسبية في توزيع الدخل.
ثالثاً: مخاطر غسل الأموال على معدلات التضخم وتدهور قيمة العملة الوطنية:
1. تؤدي عمليات الأموال غسل إلى زيادة السيولة في النقد المحلي, فهذه العمليات لا تخلو من تدفق نقدي إلى فئة استهلاكية محدثاً ضغطاً على المعروض السلعي, وزيادة السيولة المحلية بشكل لا يتناسب مع الزيادة في الإنتاج للسلع والخدمات تؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم في اقتصاد الدولة وما يترتب على ذلك من تدهور في القوة الشرائية للنقود.
2. نتيجة لاعتماد عمليات غسل الأموال على النقد الأجنبي لسهولة تحريكه من دولة لأخرى يزداد الطلب على العملة الأجنبية, فتتدهور قيمة العملة الوطنية, وينتج عن ذلك عجز في ميزان المدفوعات, وحدوث أزمة سيولة في النقد الأجنبي الأمر الذي يهدد احتياطي الدولة من العملة الأجنبية المدخرة لدى البنك المركزي.
3. الأموال التي يتم غسلها خارج البلاد ثم تعود بمظهر شرعي تؤدي إلى زياد القوة الشرائية لفئات تتصف بعدم الرشد – كما أسلفنا – فتقوم هذه الفئة بالصرف العشوائي على مجالات ترفيهية واستهلاكية مختلفة مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض القوة الشرائية وزيادة الضغوط التضخمية.
4. عمليات غسل الأموال التي تتم عن طريق التحويلات أو تهريب الأموال إلى الخارج وما تؤدي إليه من نقص في المدخرات قد تدفع الحكومة إلى الاقتراض من الخارج لتعويض هذا النقص وتغطية الفجوة التمويلية, وهذه القروض بدورها تؤدي إلى زيادة حجم الطلب الكلي وما قد ينجم عنه من حدوث ضغوط تضخمية.
كما أن الأموال المغسولة المتحصلة من أنشطة متهربة من سداد الضرائب المستحقة للدولة وما يترتب على ذلك من نقص في الموارد المتاحة للدولة لتمويل برامجها وخططها التنموية, تؤدي إلى عجز الموازنة العامة للدولة وزيادة مديونيتها الخارجية والداخلية, وبالتالي ارتفاع معدل التضخم.
5- تؤدي جرائم غسل الأموال إلى تبديد الإيرادات العامة للدولة في نفقات يشوبها الكثير من التجاوزات, لا سيما في الدول النامية التي تعاني من الفساد المالي والإداري, الأمر الذي ينجم عنه حدوث ضغوط تضخميه, وبشكل عام فإن غسل الأموال تؤدي إلى حصول أصحابها على دخول كبيرة دون أن يقابلها زيادة إنتاج السلع والخدمات, مما يؤدي إلى زيادة الأسعار, وإذا أضيف إلى ذلك نقص معدلات الادخار , ونقص إيرادات الدولة من الضرائب والرسوم, وتفشي الفساد السياسي والإداري كتعاطي الرشوة, ومنح القروض بدون ضمانات حقيقية, وهروب المقترضين بأموالهم خارج البلاد, والتلاعب بالمنح والقروض الدولية, فإن كل ذلك يساهم في زيادة عجز الموازنة وبالتالي ارتفاع الأسعار وارتفاع في معدل التضخم.
رابعاً: مخاطر غسل الأموال على السياسة المالية.
1- الإخلال بالسياسة النقدية المستقرة.
معلوم أن القائمين على تخطيط وإدارة النظامين المالي والمصرفي في الدولة يعتمدون على مقدار السيولة المتوفرة لدى البنوك في رسم السياسة المالية والائتمانية, والأموال غير المشروعة تتحرك بشكل مفاجئ من دولة لأخرى بهدف غسلها وبمبالغ باهظة, فتنقص من مقدار السيولة لدى المحولة فيها لتزيد من سيولة الدولة المحولة إليها, الأمر الذي يخل بالسياسة النقدية في الدولتين.
2- إعطاء مؤشرات اقتصادية مضللة:
يقوم غاسلو الأموال باستغلال ظروف البلدان النامية التي تعاني من ضعف في وسائل الرقابة, فيعمدون إلى تحويل أموالهم غير المشروعة لتلك البلدان التي بها معدلات فائدة منخفضة وأسعار صرف غير مستقرة, مما يؤدي إلى بروز مؤشرات اقتصادية مضللة خاصة ما يتعلق بمعدلات الفائدة وأسعار الصرف.
3- ارتفاع سعر الفائدة على العملة المحلية:
إن انخفاض سعر الصرف الناجم عن زيادة الطلب على العملة الأجنبية بهدف القيام بعلميات غسل الأموال عن طريق تحويلها للخارج, يدفع الدولة إلى اتخاذ إجراءات خاصة للسياسة النقدية, مثل رفع سعر الفائدة على العملة وتثبيت سعر الصرف, فارتفاع سعر الفائدة نتيجة حتمية لانخفاض سعر العملة المحلية بهدف تعزيز الثقة بالعملة الوطنية.
4- عدم الاستقرار الاقتصادي:
يستخدم غاسلو الأموال شركات وهمية أو ما تسمى ب (شركات الواجهة) لتكون بمثابة واجهة مشروعة لإخفاء الأنشطة غير المشروعة , وقد تقوم شركات الواجهة بالاستثمار في شركات مشروعة, وقد تتمكن باستخدام عوائد غسل الأموال من السيطرة على صناعة كاملة أو قطاع كامل من الاقتصاد في البلد, وهذا يزيد من احتمال عدم الاستقرار النقدي الاقتصادي نتيجة سوء تخصيص الموارد الناجمة عن تشوهات اصطناعية في أسعار الأصول من السلع الأولية.
كما أن سيطرة غاسلو الأموال على قطاعات اقتصادية بأكملها ليس بسبب الطلب الفعلي ولكن بسبب المصالح الأنية قصيرة الأجل لغاسلي الأموال, قد يسبب انهيار تلك القطاعات وأحداث ضرر بالغ بالاقتصاد الوطني إذا ما تخلى غاسلو الأموال عن تلك القطاعات بعد تحقيق أهدافهم من الاستثمار فيها أو عند اكتشاف جرائمهم واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.
5- عرقلة تنفيذ السياسة المالية:
إن تنفيذ عمليات غسل الأموال المتحصلة من التهرب من دفع الضرائب المستحقة وما تؤدي إليه من حرمان خزينة الدولة من أحد الموارد الهامة, تؤثر سلباً إلى موارد الحكومة المتاحة لمواجهة التزاماتها الاقتصادية الاجتماعية, مما يؤدي إلى تعطيل تنفيذ السياسات المالية والاقتصادية في الدولة.
6- فقدان الرقابة أو الأخطاء في قرارات السياسة الاقتصادية.
إن قيام غاسلو الأموال بضخ مبالغ مالية كبيرة تحصلوا عليها من أنشطة غير مشروعة في دول ذات أسواق صاعدة يؤدي إلى تقزيم حجم الميزانية العامة في تلك الدول, وقد ينجم عن ذلك فقدان الرقابة الحكومية على السياسات الاقتصادية أو وقوع أخطاء بسبب القياس الخاطئ في الإحصاءات الاقتصادية الشاملة والناشئة عن غسل الأموال.
7- التأثير على جهود الخصخصة:
تقوم العديد من البلدان بتنفيذ برامج إصلاحات اقتصادية من خلال عمليات الخصخصة لمؤسسات القطاع العام, فتعمل شركات غاسلي الأموال استناداً إلى القدرة المالية لديها والبحث مجالات توظيف هذه الأموال بهدف غسلها على مزاحمة المشترين الجادين لتلك المؤسسات , ليس رغبة منها في إصلاح الأوضاع المتردية لتلك المؤسسات وتحويلها إلى مؤسسات منتجة ومفيدة للاقتصاد الوطني, وباستحواذ غاسلي لأموال على الكثير من المؤسسات التي تقوم الدولة بخصخصتها تتعرقل جهود الخصخصة وبرامج الإصلاح الاقتصادي.
خامساً: المخاطر على المؤسسات المالية والمصرفية وأسواق المال.
1- أضعاف المؤسسات المالية:
لا يمكن التعويل على الأموال التي يودعها مرتكبو جرائم غسل الأموال في المؤسسات المالية كمصدر ثابت من مصادر التمويل, فمبالغ الأموال المغسولة الكبيرة غالباً ما تكون خاضعة لعمليات سحب غير متوقعة, مما يسبب مشاكل في السيولة لهذه المؤسسات.
2- تشويه سمعة المؤسسات المالية والمصرفية:
يعد استخدام البنوك في عمليات غسل الأموال من الوسائل الأكثر شيوعا, والمؤسسات المالية والمصرفية التي يتم من خلالها تنفيذ عمليات غسل الأموال تعرض سمعتها للتشويه والإساءة, ونتيجة لذلك يعرف العملاء جيدي النوعية عن التعامل معها, وقد يسحب المودعون أموالهم منها, فتضعف مراكزها الاقتصادية, 4الأمر الذي يؤثر على الاقتصاد الوطني برمته, باعتبار البنوك والقطاع المصرفي ركناً أساسياً في اقتصاد السوق.
كما أن تشويه سمعة المؤسسات المالية نتيجة انتشار هذه الجرائم يؤدي إلى احتمالات رفع دعاوى وصدور أحكام قضائية ضد هذه المؤسسات, وبالتالي تزداد نفقات التقاضي وخسائر تنفيذ الأحكام التي قد تصل إلى الإغلاق.
3- انتشار الفساد المالي في المؤسسات المالية والمصرفية:
سبق القول أن استخدام المصارف في عمليات غسل الأموال من أكثر الوسائل شيوعاً في هذه الجرائم, حيث يلجأ غاسلو الأموال لتنفيذ هذه الجرائم إلى تقديم الكثير من الإغراءات لموظفي المؤسسات المالية والمصرفية, فيستجيب بعض هؤلاء الموظفين لتلك الإغراءات فيتغاضون عن عمليات غسل الأموال بل ويساهمون في تنفيذها, مما يؤدي إلى انتشار الفساد المالي والإداري في هذه المؤسسات.
4- عدم الاستقرار في البورصات والأسواق المالية:
إن دخول الأموال غير المشروعة للأسواق بهدف غسلها لا يجعلها تراعي التقيد بالأسعار الفعلية للبورصة والقيمة المتداولة لأسعار الأسهم السندات, بل تشتري وتبيع بأسعار المضاربة كونها لا تهتم بمعادلة الربح والخسارة, الأمر الذي يؤدي إلى عدم استقرار الأسواق المالية وحجم النشاط فيها, وهذا ينعكس على زعزعة الثقة بالأسواق المالية والاستثمارات فيها.
5- التأثير على النظام المصرفي:
تؤدي عمليات غسل الأموال إلى تركيز هذه الأموال في أيدي عصابات منظمة تسعى للسيطرة على البنوك لتتعاون معها في عمليات الغسل, وإذا ما تمت السيطرة لهذه العصابات على بنوك معينة فإن هذه البنوك لن تخدم أهداف التنمية الاقتصادية ولن تساهم في تحقيقها كما خططت لها الدولة, بل تكون عائقاً بفعل الأهداف الشخصية والأنانية للمسيطرين عليها.
سادساً: حرمان الدولة من دعم الجهات المانحة:
إن انتشار جرائم غسل الأموال يؤدي إلى إظهار عدم جدية الدولة في محاربة هذه الجرائم, فتتأثر سمعة الدولة ومركزها أمام المجتمع الدولي وبشكل خاص أمام الهيئات الدولية المانحة والجهات الداعمة التي تقدم المساعدات والقروض, فتحرك الدولة من هذا الدعم, بل وقد تتعرض لبعض العقوبات الاقتصادية وفي هذا الصدد نجد أن صندوق النقد الدولي أعلن عن رغبته في تغيير سياسته الإقراضية للدول النامية بحجة عدم الاستفادة من عمليات الإقراض على نحو كامل بسبب انتشار الفساد الإداري وما صاحبه من تهريب للأموال بقصد غسلها.
كما أن تشوبه سمعته الدولة نتيجة انتشار هذه الجرائم يؤدي إلى إحجام المؤسسات المالية والمصرفية الأجنبية من التعامل مع المؤسسات الوطنية, أو إخضاع هذه التعاملات لمزيد من الفحص والرقابة فتصبح إجراءاتها أكثر كلفة, وفي مثل هذه الأجواء يرجح انخفاض الاستثمارات الأجنبية.
سابعاً: مخاطر أخرى:

كانت تلك هي أهم المخاطر والآثار السلبية لجرائم غسل الأموال على الاقتصاد الوطني ويشير الكثير من المختصين إلى مخاطر أخرى لهذه الجرائم ذات تأثير مباشر أو غير مباشر على الاقتصاد الوطني منها:
1- عجز المدخرات المحلية عن الوفاء بمتطلبات الاستثمار:
ذلك أن تنفيذ عمليات غسل الأموال عن طريق تحويلها أو تهريبها إلى الخارج يؤدي إلى عجز المدخرات المحلية عن الوفاء باحتياجات الاستثمار, وبالتالي اتساع الفجوة التمويلية في الاقتصاد الوطني بقدر تلك الأموال المهربة أو المحولة.
كما أن غسل الأموال عن طريق شراء المقتنيات الثمينة كالذهب والتحف الفنية والمجوهرات يقلل من نسبة الأموال المخصصة للادخار المحلي الذي يشكل جزءاً من إجمالي الاستثمار المحلي.
2- زيادة معدلات البطالة:
فاقتطاع جزء من الدخل القومي وتحويله للخارج بهدف غسله له تأثير كبير على معدلات البطالة , حيث تنخفض النفقات الاستثمارية اللازمة لتوفير فرص عمل تستوعب مخرجات التعليم المختلفة المتزايدة على سوق العمل, فترتفع معدلات البطالة.
3- الاضرار بالتعاملات القانونية:
حيث تؤدي التعاملات غير القانونية الغاسلي الأموال إلى الإضرار بالتعاملات القانونية بشكل أشبه بالعدوى, فتصبح بعض المعاملات التي تشمل مشاركين أجانب رغم قانونيتها أقل جاذبية بسبب ارتباطها بغسل الأموال.
4- زيادة معدلات الجريمة والفساد:
فانتشار جرائم غسل الأموال يسفر عن المزيد من الجرائم الاقتصادية والجريمة عموماً, ويعزز استخدام الرشاوى وخاصة في أوساط موظفي المؤسسات المالية والمصرفية والأجهزة الهامة وبعض الفئات ذات العلاقة مثل:
- الهيئة التشريعية.
- هيئات وأجهزة تنفيذ القانون ( الشرطة – النيابة – المحاكم).
- المحامون.
- المحاسبون.
5- ظهور عصابات متخصصة ومنظمة لها نفوذ قوي في المجتمع.
6- انتشار المحميات المصرفية التي تقوم بغسل الأموال.
الخاتمة:
أوضحنا في هذه الورقة – وبشكل موجز – أهم المخاطر والأضرار الناجمة عن جرائم غسل الأموال على الاقتصاد الوطني, والتي من خلالها يتبين مدى جسامة تلك الأضرار والمخاطر على المجتمعات, فهي تخرب الاقتصاد وتفسد القيم وتدمر الأخلاق, ويتضاعف خطرها كونه من الأخطار التي لا يمكن مواجهتها بالقدرة العسكرية والقوة المسلحة , فهو بمثابة تحدٍ لقدرات الدولة وسلبٍ لعناصر القوة فيها , الأمر الذي يتطلب تظافر كافة الجهود لمكافحتها, وقيام الأجهزة المعنية بدورها في هذا الاتجاه سواءً منها التشريعية أم التنفيذية أم القضائية.
مع التأكيد على أن القضاء على هذه الجرائم والحد منها لا يمكن أن يتحقق بدون تعاون دولي جاد, لأنه على الرغم من الجهود الدولية الحثيثة والمكثفة لمكافحة هذه الجرائم فإنها لم تستطع الحد منها , بل أنها في تزايد مستمر – كما أسلفنا – ويرجع ذلك إلى بروز الكثير من المعوقات أمام هذه الجهود وفي مقدمتها العوائق التشريعية أمام تبادل المعلومات حول هذه الجرائم بالشكل المطلوب في ظل عدم وجود أنظمة فاعلة للرقابة على أنماط واتجاهات وأساليب غسل الأموال , وكذا عدم الاتفاق على تحديد الجرائم الأولية التي تشكل عائداتها مصدراً لغسل الأموال, مع محدودية الدعم المخصص لانجاح هذه الجهود, فضلاً عن عدم جدية الكثير من الدول الغربية في مكافحة هذه الجرائم التي ترتكب في حق الدول النامية, ففي الوقت الذي تمارس فيه تلك الدول الكثير من الضغوط على الدول النامية لإصدار التشريعات واتخاذ الاجراءات اللازمة لمكافحة هذه الجرائم نجدها تفتح مؤسساتها المالية للأموال المتحصلة من جرائم الفساد المالي والإداري في الدول النامية لتستفيد منها في دعم اقتصادياتها.
وما من شك في أن بلادنا- من خلال الأجهزة والهيئات المعنية – تعي حجم مخاطر هذه الجرائم, فقد سارعت لاتخاذ الاجراءات الوقائية الكفيلة بالحد منها وتبنت سياسة داخلية واضحة لمكافحتها, لا سيما في اطار المؤسسات المالية والمصرفية, وإن كان الأمر لا يزال بحاجة إلى المزيد من الجهود وخاصة باتجاه تفعيل دور اللجان التي شكلت لهذا الغرض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.