خلافاً للسرعة المعهودة التي يتوجس بها العالم العربي الخطر بعد فوات الأوان فإن السرعة المذهلة التي تتأزم بها الأوضاع الأمنية في البحر العربي وخليج عدن فاقت كل الحسابات بتوسع أعمال القرصنة، وامتدادها إلى عمق البحر العربي لتطول أضخم ناقلة نفط في العالم، ولتفجر سؤالاً مثيراً إن كان القراصنة قد تحولوا حقاً إلى عملاق أسطوري تركع أمامه الأساطيل الحربية لكل جبابرة العالم الرأسمالي؟ إن كل المؤشرات المتاحة تؤكد أن «ثورة» القراصنة المفاجئة عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر مفتعلة، وأنها الرديف لتنظيم القاعدة الذي علقت الدول الكبرى على شماعته كل مسوغات مخططاتها التي رسمتها لمستقبل المنطقة.. فإذا كان القراصنة يمتلكون الجرأة بالمغامرة فإنهم الأبعد عن امتلاك المعلومة الدقيقة حول مسار وتوقيت مرور ومحتوى سفينة روسية تحمل 03دبابة، أو ناقلة نفط سعودية للتو غيّرت خط سيرها من البحر الأحمر إلى طريق رأس الرجاء الصالح، فيكمن لها القراصنة قبالة ساحل كينيا، حيث لم يسبق وصولهم إلى هذا المكان..!! يبدو أن حكومات دول المنطقة تنبهت بعد سماع ضجيج السفن الحربية الأجنبية المتكالبة على المنفذ الجنوبي للبحر الأحمر إلى مشروع تدويل البحر الأحمر فبدأت تثير بعض اللغط.. ورغم أنها أفاقت بعد أن كلّت أقلامنا من الخوض في الموضوع، غير أنها مازالت تغفل أن الأداة العسكرية تعد إحدى أدوات فرض «العولمة» وأن مشروع «الشرق الأوسط الكبير» ما كان ليوصف «كبيراً» لولا أنه يعني القبض على شريان الحياة، والقوة، والنفوذ لدول المنطقة، والمتمثل ب «الاقتصاد».. فلا فرق لدى الغرب بين «طريق البهارات» و «طريق النفط والتجارة» ليخوض مجدداً مغامرات «الكشوف الجغرافية» والتي كانت في الأصل «حروباً صليبية»!!. ناقلة النفط السعودية ليست إلا رقماً واحداً في سيناريو الاختطافات، وستعقبها سفن نفط كويتية، وقطرية، وأجنبية مختلفة، يترتب عن حوادث اختطافها ارتفاع شديد في أسعار النفط، ورسوم التأمين، وفي ظرف يعاني العالم بأسره من أزمة مالية، الأمر الذي لن تحل أزمته سوى «مبادرة» أمريكية أوروبية تشهد حماية الممرات الملاحية الدولية مقابل تكاليف باهظة « إتاوات » تفرض على الدول المستفيدة أي أن على دول المنطقة قبول شراكة أمريكا بثرواتها النفطية بنسبة «5%» على سبيل المثال، وإلا فإن ناقلاتها النفطية مباحة للقراصنة..!! إن انتقال أعمال القرصنة من طريق البحر الأحمر إلى الطريق البديل - رأس الرجاء الصالح -هو رسالة صريحة بأن كل طرق الملاحة العالمية لم تعد مأمونة، ولا مفر من القراصنة... كما أن التنصل المبكر للبحرية الأمريكية من مسئوليات حماية السفن التجارية غير التابعة للولايات المتحدة هو تأكيد بأنه ليس هناك خدمات مجانية لأحد، ومثلما أصبح (النفط مقابل الغذاء) أيام الحصار على العراق، فلماذا لا يكون (النفط مقابل الأمان) ؟ وطالما نحن نقرأ الأحداث وفق هذه المعادلات، فإنني أتوقع أن يتزامن ارتفاع وتيرة نشاط القرصنة البحرية خلال الأيام القليلة القادمة بتجدد نشاط تنظيم القاعدة، وتنفيذ عمليات نوعية خطيرة في بلدان منتخبة تناهض هذه اللعبة الاستعمارية بقوة بقصد تهويل الخطر الداخلي، وزعزعة الثقة بقدرات أجهزتها الأمنية، وإيجاد المسوغ لانتهاك سيادتها البحرية بتشريعات دولية.. وهو ما يوجب على الحكومة اليمنية رفع درجات حذرها واحتياطاتها الأمنية كونها المعني الأول، خاصة مع تمهيد مسئولين أمريكيين لمثل هذه الحسابات بتصريحات تزامنت مع اختطاف ناقلة النفط السعودية، تشيع بأن اليمن أرض خصبة للإرهاب، وأن القاعدة نشطة فيها، وغيرها من العبارات التي جرت العادة أن يتم ترويجها قبل أي استهداف إرهابي..! للأسف الشديد، إن الدول العربية أغفلت خطورة المؤامرة رغم أن الرئيس علي عبدالله صالح تنبه لها مبكراً، وقام بجولة مكوكية لعدد من الدول المعنية لاستنفارها من أجل بلورة موقف عربي سريع، غير أن قصر نظر بعض الأنظمة وغياب الإحساس بمسئوليات الأمن القومي العربي أطلق الحبل على الغارب لتمرير المخططات الاستعمارية في وضح النهار..