تفيد المعلومات المستقاة من أمهات الكتب أن ثورة ثقافية غير عادية ظهرت في القرن التاسع عشر، وقد كان لهذه الثورة أثر في تحقيق نقلة ثقافية باهرة، تمثلت في تطور الكتابة من المخطوطات إلى المطبوعات، ومن قبل قد كان للعرب دورهم الريادي .. فهم أول من عرفوا الكتابة القديمة بالتدوين على الورق من البردي أو جلود الحيوانات مثل الغزال، أو على الحجر، وسرعان ما دُوِّنت على الكتب وخُطَّت أو كُتبت أو طُبعت، فما كان من مخطوط، أي بخط اليد، وتسمى مخطوطة، وإن كانت على هيئة كتاب فهي مخطوطة... ومن تلك المطبوعات عن طريق الآلات الحديثة خرج الكتاب إلى حيز الوجود، وكان له أهميته البالغة في حيات الأفراد والمجتمعات والشعوب والأمم، ومن هذا الوعاء الثقافي الكتاب استقى كل متعطش للمعرفة، وقد سُمِّي بالوعاء لأنه يحفظ أفكار صاحبه بين دفتيه... وللقراءة فوائد كثيرة، ولها أصولها التاريخية والدينية، فهذه هي كلمة «اقرأ» هي أول ما نزل على خاتم الأنبياء والمرسلين، عليه الصلاة والسلام. وهذا هو أبو الطيب المتنبي يعتبر أن خير جليس في هذا الزمان «كتاب»... فالداخل إلى قراءة الكتاب هذا الوعاء الثقافي الدسم كمثل الداخل إلى حديقة غنَّاء، يقطف من رياحين زهورها وورودها ما تطيب به نفسه وعيناه، وكل حواسه ومشاعره، وهو يتنقل من نوع إلى نوع آخر ومن لون إلى آخر إنما يقطق ما لذَّ وطاب من ثمار هذا الكتاب أو ذاك، ومن موضوع لآخر داخل الكتاب الواحد، ونظراً لأهمية المكتبات وما تحويه من مخزون وهوية للدول نجد أن المستعمر عند دخوله بلداً لغير أول ما يتجه صوب المكتبات والمتاحف ليتعرف على هويته وحضارته وتراثه وثقافته... ولنا في حروب العراق ودخول بغداد مثل عبر العصور والأزمان. ولأهمية القراءة والكتاب، وأهمية العلم أصبح العالم قرية صغيرة، بل إن العبقرية ينتج عنها نقل الأفكار من جيل إلى آخر... ومن الدول التي اهتمت بالعلم، ابتداءً بصناعة الورق، الصين الشعبية، حيث تعتبر أقدم دولة عرفت صناعة الورق، ثم انتقل هذا الاهتمام إلى دمشق وبغداد والقاهرة، وقد استفاد الأوروبيون من هذه المعارف، ووضفوا معرفتهم هذه وخدموا الشعوب. ومن الأعلام الذين كان لهم الدور البارز في هذا الاهتمام العلمي، العالم الخوارزمي، حيث يرجع إليه الفضل في ابتكار الصفر الذي أضيف إلى جانب الرقم الواحد فَسُمِّيت بالعشرة بعد أن كانت تكتب العشرة بالتسعة + واحد. لذا لايستطيع الغرب أن ينكر دور الفكر الإسلامي في تطور الحضارة الأوروبية، فالكتاب والمكتبة والمطبعة والورق والحبر والقلم مضاف كل ذلك إلى الفكر الإنساني، شكَّّل هذه الثروة من العلم والابتكارات في كل مجالات الحياة، ونتج عن ذلك كتب الطب، الرياضيات، كتب الشروح في فك معاني ورموز القصيدة، وكتب النحو والتراجم، وكتب المعاجم وكل عصارة ما توصل إليه فكر الإنسان وخلاصة ثقافته، محتفظاً بكل ما ذكر في قالب يسمى الكتاب، ففيه الكم من المعلومة والفائدة. وبالمناسبة لنا من زمن العبيد هذه الحكاية، حيث كان بيع وشراء العبيد... ومنه يحكى أن اثنين من العبيد كان لكل منهما أمله وهدفه في الحياة، أحدهم كانت أمنيته من باب معدته، وما تمناه هذا العبد هو أن يباع لطباخ... والآخر كانت أمنيته أن يكون في المستقبل مسيطراًً وقائداً لهذا العالم وفعلاً كان لكل منهما ما تمناه، وقد التقيا في يوم من الأيام بعد أن تحقق لكل منهما ما تمناه، وقد ذكَّر كل منهما الآخر، ويا لها من أمانٍ، ويا لها من صدف بعد التمني... وهنا الفرق من حيث التفكير الإيجابي والسلبي. من هذا المنطلق قسَّم علماء الاجتماع أفكار الناس من حيث آمالهم وأمانيهم المستقبلية إلى قسمين، آمال يغلب عليها الطابع السلبي، وأخرى يغلب عليها الطابع الإيجابي... لذا قل للكوب غير الممتلئ بالماء: هذا الكوب نصف ممتلئ، ولاتقل هذا الكوب نصفه فارغ.. فالأول تفكير إيجابي، والثاني سلبي، فالتفكير السليم يصنع من صاحبه رجلاً سليماً متى ما شرب من وعاء الثقافة، ودون ذلك بتساوى مع التفكير السِّلبي في زمن العبيد.