«1» وجاء العيد، عيد الأضحى السعيد، يتدثر بنسائم باردة،منذ زمن بعيد، لم تألفه مدينة المكلا، ولكن، على الرغم من غلاء المعيشة ومطاردة أسعار المواشي لمدخرات الأسر التي تقتات على المعاشاتالشهرية، إلا أن الناس توشحت بالابتسامات البريئة ترسلها هنا وهناك كعادة أهل المدينة في توادهم ومعاودتهم لبعضهم البعض، ولم تزل هذه المدينة وغيرها من مدن وقرى حضرموت تلعق جراحات المأساة الإنسانية والاقتصادية التي تسببت بها الأمطار الكثيفة والسيول الغزيرة في نهاية شهر أكتوبر المنصرم. «2» وقد كانت كارثة البنية التحتية الاقتصادية والخدماتية لمدينة المكلا بوصفها أكثر المدن التي شهدت حركة عمرانية وتشييد الطرقات في السنوات الثلاث الماضية، قاصمة ظهر للكثير من هذه المشاريع التي كانت المدينة وناسها يعولون عليها كثيراً في السنوات القادمة، ولكن الخلل الفظيع الذي مس أغلب تلك البنى التحتية المهمة جاء واضحاً لا يحتاج إلى دلائل أو قرائن، فجولة واحدة تأخذك قدماك إلى شوارع المكلا تقف بك عند عمق المعاناة اليومية التي يتحملها المواطن من جراء تلك الأضرار الكبيرة في الطرقات ومجاري الصرف الصحي للمنطقة «الديس» التي سالت بكثافة بعد صمت السماء لتجري أنهاراً من المياه الملوثة والآسنة المحملة ببقايا البشر ومخلفاتهم القاتلة، فظهرت البقع السوداء الواسعة على امتداد «العيقة» السائلة التي تصب فيها أودية «سقم،الغليلة، السدد» وتدفع في طريقها ما تحمله إلى بطن «خور المكلا» بعد اجتيازه «الجسر الصيني» لذا كانت مجاري الصرف الصحي لمنطقة «الديس» مفصلاً أساساً في نهاية مشكلات مجاري مدينة المكلا بشكل عام. «3» قبل ما يقرب من ثلاثة أعوام استبشر الناس خيراً في البدء بمشروع الصرف الصحي الذي تعمل عليه حتى اللحظة شركة لسنا بصدد تسميتها الآن،وقد تعثرت في إنجاز عملها وما زالت تراوح مكانها على الرغم من الحوادث المتعددة والكثيرة التي حفل بها مشوارها العملي، وقد نظر الناس إلى ما تقوم به في هذا المشروع بعين الريبة والشك بسبب عمق الحفريات في منطقة عرفت أرضها بالصلابة إلى جانب صغر حجم المواسير التي تستخدم في المشروع،وهو ما سنعرض له في مقالات قادمة إن شاء الله. «4» لقد شهدت الطرقات الرئيسية الممتدة من منطقة الغويزي وانتهاء بمصب خور المكلا سيول المجاري التي مازالت صامدة في وجه الحلول الرسمية وتسببت في روائح كريهة وعفنة لرواد «الخور» الذين وجدوا أنفسهم في «حيص بيص» وأين المفر،لذا كانت الكثير من الأسئلة تطرح عن مدى صلاحية غرف المعالجة التي تضمها جنبات الخور ولماذا لم تعد قادرة على استيعاب هذه المياه الزاحفة إليه، والغريب في الأمر أن الحلول التي جاءت من قبل المختصين، ونعني بهم الإدارة المحلية للمياه والصرف الصحي بالمحافظة غير عملية وترقيعية آنية مضرة،تأتي على حساب كارثة بيئية أخرى، فقد قامت بحل لمشكلة الروائح الكريهة بعمل ساتر ترابي في الجهة الأخرى من الجسر الصيني قبل مصب الخور لتغدو تلك المنطقة محمية «بلاعية» تتجمع فيها كل الحشرات واليرقات المسببة للأوبئة، ولسان حال الجهة الرسمية يقول: انتظروا حتى نجد حلولاً،ولا عزاء للمواطن! وكفى.