كامل المشهد التراجيدي الذي يتصاعد بؤساً وشقاءً يشير إلى أن المشكلة الصومالية لم تعد خاصة بالصوماليين المنكوبين، ولكنها أصبحت تنتقل برشاقة مشهودة إلى كامل الإقليم الجغرافي المجاور، وتُسهم في خلط الأوراق الإقليمية والداخلية في العديد من البلدان، فالذين استمرأوا الفُرجة والاطمئنان لتسوير الحدود أمام قوافل اللاجئين الهاربين من نيران الحرب أن يستوعبوا الآن أن النار بدأت تحرق أطرافهم، وأنه لا منجاة لأحد من تداعيات التراجيديا الإنسانية الماثلة على مرمى حجر من شواطئ منصات الفرجة الإقليمية . آية ذلك ما جرى ويجري في خليج عدن والبحر الأحمر، فاختطاف السفن سؤال لا يوجه للقراصنة فحسب، بل لدول الإقليم المجاور والعالم الذي يبخر عُباب البحر بأحدث ترسانة عسكرية بحرية !، والتداعيات المرتبطة بهذه المسألة ليست صومالية بل إنها شاملة، وعنوانها الحاسم تدويل البحر الأحمر والشطب على الدول العربية السبعة «اليمن والسعودية ومصر والسودان واريتريا وجيبوتي والصومال» المتشاطئة في هذا البحر، وإلغاء مصالحها الحيوية في هذا الممر المائي الرابط بين ثلاث قارات، وبالطبع ستكون إسرائيل هي المستفيد الأول من انتشار قوة دولية ذات صلاحية رقابية على الممر المائي . وفي أُفق آخر يخرج المتحاورن في جيبوتي إلى منطقة النزال والخلافات المُستحكمة التي لم تعد تطال ثنائي المحاكم الإسلامية وشرعية نيروبي، بل تشمل كل طرف على حدة ، فبعد وصول رجل التفاوض والخيار السلمي الشيخ شريف احمد شريف إلى العاصمة مقديشيو وجد نفسه وأصحابه أمام النيران الحامية لمقاتلي « اتحاد الشاب المجاهد » في إشارة للخلافات التي احتدمت على الأرض بين الإسلاميين أنفسهم، ومن أسمرة يتحدث الأب الروحي للمحاكم الشيخ “ طاهر أويس “ ليزيد النيران تأجيجاً بعد اتهامه لرفيق دربه ورئيس مجلس المحاكم السابق الشيخ شريف احمد شريف بأنه أضحى في قبضة المحتل الإثيوبي وشرعية نيروبي الفاشلة والمحمية بحرب المحتلين . إثيوبيا تغرق في أوحال الصومال وتحتار في كيفية الخروج المشرف بعد أن وجدت نفسها مضطرة إلى إعادة نشر قواتها والتخلي عن ما وعدت به قبل أيام على لسان رئيس الوزراء « ميليلس زيناوي» جيبوتي وكينيا واريتريا يراقبون الموقف عن كثب، فالكل في المشكلة مأخوذون وبالحقيقة مخطوفون، وتتململ اليمن ناظرة إلى المحنة وبحارها الأربعة “ خليج عدن - البحر الأحمر- بحر العرب المتصل بالمحيط الهندي تغلي بنيران القرصنة الحامية بالسلاح الكوني . هذا هو المشهد باختصار، وعلى الجميع أن يدركوا الآن أن المشكلة لم تعد صومالية داخلية .