مأساة بحجم الوطن العربي الكبير تتكرر على شعب أعزل لا يحمل سوى إيمانه بقضيته العادلة المتمثلة في عيش هانئ على أرضه المستقلة.. مأساة تتكرر .. ضحاياها بشر جُلهم من المدنيين؛ شيوخ، وأطفال، ونساء، بيوتهم تهدم على رؤوسهم، هناك في غزة لا شيء في أمان، كل شيء هدف للعدوان، المساجد والمدارس والتجمعات السكنية.. الكل يدفع ثمن القضية والصمت هنا وهناك يلف المشاهد العربي وهو يشاهد من على شاشات التلفاز والكل يجمع على ترهل الأنظمة المغلوبة على أمرها وهي تقف موقف المتفرج المتخاذل المهزوم على نفسه خلف جدار الحماية، وهذه هي سياسة اليوم، وأفٍ لسياسة يدفع ثمنها أبرياء هم إخوان لنا هناك في غزة تحت آلة الدمار والموت. فهل صحيح أن عصا اسرائيل طويلة حتى تطال من يحاول رفع رأسه حتى بكلمة "اوقفوا هذا العدوان الغاشم البربري الآثم"؟!.. ومع كل هذا هل وصلت السياسة وأصحاب السياسة إلى مستنقع الفصول النهائية في سيناريوهات الضياع في متاهات الحلقات المفرغة.؟ وبناءً على، ذلك: هل نحن في الأنظمة العربية قد أقتنعنا وأقنعتنا الأحداث الساخنة على الساحة بأن لها أجندتها الخارجية الواهية والتي لم تعبرّ في حقيقتها سوى عن الوهن والجبن والانهزامية. إذا كان الأمر كذلك فينبغي أن لا يكون على حساب قضية العرب الأولى وفي مثل هذا الظرف بالذات كما ينبغي أن لا تكون على حساب شعب مظلوم ودماء بريئة تزهق منذ أكثر من خمسين عاماً.. ثم ما هي أجندة الطرف الذي يراهن على اتفاقات السلام، فلا أوسلو ولا أنابولس ولا اجتماعات شرم الشيخ حققت حتى الآن مطلباً واحداً يذكر يخدم القضية والشعب الفلسطيني، فأين النصرة لإخواننا حتى وإن كانوا ظالمين؛ فكيف بالنصرة لإخوان لنا يتجرعون الظلم هذه الأيام ونحن نقف موقف المتفرج المنكسر؟!. فتباً لأمة لا تنصر أخاها، وتباً لمخازن السلاح المشتراة بمليارات الدولارات، فهي إما معدة لضرب بعضنا البعض إن لم تكن مخزنة وقد أكلها الصدأ فهذا لا يهم، فقد خصصنا من الميزانية ما يغطي نفقات مواد غذائية وأدوية للشعب الفلسطيني لعشر سنوات قادمة إن لم يكن ذلك بأكثر مما رُصد له.. ولأجل ذلك اختلطت الأوراق؛ فهذا يدعو إلى عقد قمة وذاك قد وصل به المطاف إلى مرحلة اليأس من القمم السابقة فهي إما للشجب والتنديد وإما للاتفاق على ألا نتفق أو لإعلان التبرعات للكارثة التي حلت بأهلنا في غزة. غير أن البعض قد ينسى دوره وما هو موقفه؛ مثل هذا يجب تذكيره أنها ليست كارثة سيول أو بركان أو ما شابه ذلك؛ إنه سرطان ينخر في جسم الأمة، فاليوم هناك في غزة واليوم في دارك أخي العربي، وهناك في اسرائيل سواءً في المجلس الوزاري الموسع أو المصغر هم يدرسون القضية من كل الجوانب بما فيها اختيار الزمن والوقت للضربة وعنصر المفاجأة لأنهم يقرأون ذلك من واقع الأنظمة العربية وتحديداً الخارطة السياسية والانقسام الحاصل.. فكثيراً ما يظهر عند الدعوة لعقد قمة عربية لمجرد مناقشة قضية ما إما الخلاف أو الاختلاف فحدث ولا حرج، فعند القرارات أو بيان القمة والتي في الأساس لا تسعف جريحاً في واحدة من مقرراتها بل يزيد المعتدي من تصعيد اعتداءاته العسكرية لأنه يعرف سلفاً أننا ظاهرة صوتية ليس إلا. ثم ماذا عن الراعي الرسمي الولاياتالمتحدة، وماذا عن موقفه من جنرالات حكماء بني صهيون؛ هل وصلت الرسالة؟! نعم وصلت على مرحلتين والبقية في الطريق، فمرحلة بمفهوم أن الإدارة الأمريكية تتفهم موقف اسرائيل، وتارة أخرى أن اسرائيل ما تقوم به ليس إلا من باب الدفاع عن النفس. وهذا الأخير ما تتشدق به اسرائيل كذريعة للعدوان السافر على أهلنا في غزة، فماذا سيكتب التاريخ عنا نحن الأجيال؛ هل نحن ضحية حكام يمتلكون الأسلحة كما لو كانت سيفاً بيد عجوز ليس له حول ولا قوة، أم أن الحكام والأنظمة العربية ضحية الشارع العربي الذي خرج يهتف وهو يندب الوضع المزري؟!. هل نحن في زمن الأشباح لا فرق بين أصنام كفار وما قبل الإسلام وأصنام زماننا إلا بالتسميات بالزعماء، هل ترجل مثل هؤلاء الرجال على كراسي السلطة والملذات وخرجن النسوة بالإنابة يندبن الوضع بقولهن: أين أنتم يا عرب، أين أنتم يا عرب؟!. من هذا المنطلق نقول وبصوت عالٍ يسمعه الثقلان: أين زمن "أخي جاوز الظالمون المدى" وأين زمن "بلاد العرب أوطاني" وأين أبناء العروبة، حيث غزة تنادي وهي من بلاد الدنيا في شعار أهلها وهم محاصرون ويلاقون حتفهم من البر والجو والبحر.. افتحوا المعابر للأحياء قبل الأموات يا عرب، فالنكبة مستمرة ولن تكون الأخيرة، والسرطان قادم إن آجلاً أم عاجلاً، فلا مفر وقد أفلسنا بتفويض البعيد "مجلس الأمن" أولاً وبيت العرب ثانياً إن كان هناك ثانياً.. وهنيئاً للشهداء هذه المكانة الربانية وهي البشارة من أن هناك شهيداً يسقط، فالشعب لن يموت والقضية باقية والنصر آتٍ قريب.