منذ البداية ما كان يفترض لأحد أن يسأل: ما الذي سيكون عليه الموقف الرسمي العربي تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، فكل تجارب الماضي هي التي تجيب، غير أن السؤال الذي كان ينبغي طرحه هو: ما الذي بوسع شعوبنا تقديمه لنصرة غزة؟! وما الذي بقي لنا من «العروبة» ليضطرنا لحصر تحركاتنا في إطار عربي!؟ قبل يومين دعا مسئول إسرائيلي رفيع حكومة بلاده إلى ضرب غزة بقنبلة نووية لاختزال الجهد والوقت والضحايا من مواطنيه! وللأسف لم يكن لدى القادة العرب متسع من الوقت للرد عليه وردعه وتأديبه، إذ أن الزعماء العرب منهمكون للتحضير للقمة الاقتصادية في الكويت.. فالمال والتجارة تتقدم على مخططات إبادة غزة، أو أية دعوات أخرى لعقد قمة سياسية في الدوحة لمراجعة إحصائيات الشهداء والجرحى والدمار الشامل الذي حول غزة إلى أطلال مدينة!! وسواء سيلتقي القادة العرب على قمة «سياسية» أم «اقتصادية» سيجدر بهم تذّكر المثل الشعبي اليمني (معزَّية بعد شهرين مقلَّبة كل المواجع)، إذ لم يعد في غزة شيء ينقذونه بعد أن أتت مواقفهم الخائبة على معنويات أبناء غزة وهشمتها بتلك الرسالة الواضحة التي أكدت لهم أن الأمة تبرأت من أبنائها، وليس بوسع أحد بعد اليوم الارتماء في أحضانها، بل الدعاء لله أن يكفيه شر ما يأتي من عواصمها، وبلاء ما تحيكه قصورها الرئاسية. في تقديري إن إسرائيل خسرت المعركة فلسطينياً، وكسبتها عربياً، وما أظن أن «بيريز» حلم يوماً بأن يمني العرب بهزيمة بحجم التي هي عليه اليوم، بعد أن صار أقوى أقطار العرب أضعفهم حكمة وموقفاً وشجاعة، أما المفارقة الأعظم هزلاً، والتي لم تصل مسامع شارعنا العربي بعد، هي أن زعماء الأمة من أصحاب الفخامة والسيادة والجلالة والسمو لم يوافقوا على حضور قمة الدوحة أو القمة «الملحقة» بقمة الكويت لأنهم موجوعون وماعادوا يحتملون آلام المجازر الإسرائيلية في غزة، بل لأن إسرائيل أكدت لهم قبل يومين أنها ستوقف الحرب، وبالتالي فإن الجميع سيخرج بوجه أبيض باستثناء أبناء غزة، فالقادة العرب سيدعون أن الحرب لم توقف لولا قمتهم، وإسرائيل ستدعي أنها دولة تحترم الآخرين لذلك استجابت لطلب العرب تأكيداً لحسن الجوار..! ألا يجدر بنا أن ننصح قمة الدوحة بأن لا تكون كما «المعزية بعد شهرين» فيما نقول للقمة الأخرى «توَّ الناس» ياجماعة!!