انفض مولد القمم العربية الخاصة منها والمختلطة من دون أن يتحقق شيء إيجابي باستثناء الكلام، الكلام الذي ملّ منه المواطن العربي.. وأثبت أن العرب ليسوا سوى مجرد ظاهرة صوتية، يصحون في وقت متأخر، وينامون في وقت مبكر، وهم في مواقفهم لا يقدمون ولا يؤخرون أمام التحديات التي تواجههم مع بقية العالم. باستثناء الخطابات التي ألقيت على هامش قمة الكويت وقمة غزة وقمة شرم الشيخ لم نلمس أي موقف جدي وحقيقي يجاري موقف الشارع الغاضب له. والذين كان الكثيرون يؤملون أن تكون مجازر غزة مدعاة لاتخاذ مواقف أكثر إيجابية وأكثر صدقاً في علاقة العرب مع أعدائهم، وأقصد بدرجة رئيسة الولاياتالمتحدة وأجزاء عدة من أوروبا. خروج العرب من قممهم الثلاث فرقهم أكثر مما وحدهم، فقد صار مصطلح "دول الاعتدال" و"دول الممانعة" يتسرب شيئاً فشيئاً إلى علاقاتنا العربية - العربية وإلى إعلامنا. وذكّرني هذا بما حدث بعد زيارة الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات إلى اسرائيل العام 1977 وما تلا ذلك من توقيع اتفاقية "كامب ديفيد" الشهيرة، حيث كنا نسمع عن دول "جبهة الصمود والتصدي" والدول "الرجعية" ودول "الاستسلام". وبعد سنوات ضاعت دول "جبهة الصمود والتصدي" وتشرذمت مواقفها، وتفتتت الدول "الرجعية" ونخشى أن يأتي يوم ننعي فيه أنفسنا جميعاً معتدلين وممانعين، لأن الغرب لا يريد أن يكون للعرب صوت يُسمع. اليوم نعيش أجواء السبعينيات، حيث بدأنا ننشر غسيلنا في وسائل الإعلام، وبدأنا ننتقص من أدوار بعضنا البعض. وصار الكثيرون منا يكثرون من الدعوات لإعادة اللحمة إلى جسد الأمة الذي تنهشه الخلافات المزمنة؛ لدرجة أننا تحولنا إلى أمة «نادبة» تندب حظها وتندب حاضرها ومستقبلها أيضاً، الذي لا يعرف إلا الله كيف سيكون مع وجود هذه الخلافات؟!. وبانتهاء قمة الكويت وقبلها قمة شرم الشيخ والدوحة لم يترك القادة العرب من بصمات أمام شعوبهم، بل أمام شعوب العالم سوى الغبار، غبار يزكم الأنوف. ويؤكد أن العرب ظاهرة صوتية يجيدون الكلام والتبريرات ويختلقون الأعذار لخلافاتهم الظاهرة والخفية، البسيطة منها والعميقة، وعندما يعودون إلى بلدانهم يتحول كل منهم إلى بطل قومي، حتى صرنا نشعر أن صلاح الدين الأيوبي صار على الأبواب. لقد أفقدنا القادة العرب الأمل في حالة عربية أفضل، أفقدونا التفاؤل في تكوين قوة عربية قادرة على فعل الكثير أمام أعداء يتربصون بنا ليل نهار للقضاء على ما تبقى من روح المقاومة لدى الشعوب بعد أن سلبوها من الحكام.