سبقت الكتابة أكثر من مرة في موضوع المياه العذبة التي اعتاد سكان الجحملية وحوض الأشراف على الاستفادة منها عبر عقود من الزمان، بل قرون، وكانت مياه سبيل، تجري عبر سواقٍ، هندسها وأنشأها السلف، وظلت في جريان دون توقف إلى عهد قريب.. إذ نظر القائمون على الأمر أن يتم تنظيم الاستفادة منها وتوفير شروط صحية أفضل، وتحقيق العدالة بإيصالها إلى نسبة واسعة من السكان الذين يقطنون في محيط جريانها وعلى نحو أوسع، وكان الإمام أحمد قد حاول الاستئثار بها من قبل إبان عهده البائد، ولكن الأهالي انتصروا وانتزعوا حكماً يؤكد ملكيتهم لهذه المياه. وبقيام الثورة المجيدة وكما أسلفت جرى تنظيم هذه المياه؛ ولكن المسألة بعد عقود تحولت إلى إقطاعية استأثر بها أشخاص وحُرم منها السكان، إذ امتدت أيادي نافذة وأجرت شبكة أنابيب من المصدر ومن الخزان الرئيس إلى منازلهم، وتوسعت هذه الشبكة إلى أن صارت المياه تجري إلى منازل هؤلاء دون انقطاع وتصل إلى من تصل من السكان قطرات لدقائق بين يوم وآخر. وهكذا تحولت المياه إلى قضية تقلق المواطنين، فتوجهوا أكثر من مرة إلى قيادة المحافظة وتقدموا بشكاوى عديدة؛ إلا ان معالجة لم تحدث!!. والجدير بالذكرى أن هذه المياه يديرها بالأساس مكتب الأوقاف وتقع المياه في محيط مديرية صالة، حيث تتموضع الشكبة.. وتضمنت شكاوى المواطنين سوء توزيع المياه والاستئثار بها من قبل أقلية متنفذة، والذي أثار غضباً في أوساط السكان. وبتعدد الشكاوى تعددت التوجيهات من المحافظ السابق والحالي والأمين العام، وتضمنت التوجيهات تشكيل لجان تتولى الاطلاع على القضية ورفع رأي متخصص فيها، وبالفعل تشكلت لجان؛ ولكن بعضها تردد ولم يقم بواجبه، وبعضها رفع تقريراً ولكن مع ترك الباب موارباً ودون حسم، وبعضها قالت وصف الواقع وترك القرار، وهكذا. وحين نفتش عن أسباب هذا التردد وعدم الحسم، وجدناه مرتبطاً في أصله وأساسه ورأسه جذرياً ومحصلة بمتنفذين، تجنب كل من أحيل إليه الأمر الحسم، وتمنى أن يقوم به غيره، مع علم الجميع أن المتنفذين ليسوا أصحاب حق ولكن استغلوا مواقعهم وربطوا أنابيب إلى منازلهم دون أية خشية من الله ولا من الناس، وهم يعلمون أن العامة من الناس لا تصل إلى بيوتهم إلا قطرات بين يوم وآخر، والبعض اعتقد أن عليه مسئولية في إرضاء المواطنين والتقرب إلى الله، فمدّوا أنابيب صدقات.. يا سبحان الله!! هل هذا تصرف يدل على وعي مدرك مسئول بحقوق الله وحقوق المواطنين؟!. ألم يعلم هؤلاء أن الناس شركاء في ثلاثة الماء والكلأ والهواء، ألا يعلم هؤلاء أن الله يغفر الذنوب جميعاً إلا حقوق الناس، وما فعلوه هو اغتصاب لحقوق الناس، ولن تتفق الصدقات المتمثلة بوضع سبيل من هذا الماء المغصوب؟!. والسؤال الذي يفرض نفسه هو: لماذا لم تحسم المسألة، ولماذا لم يتم من أوكل إليهم الأمر بالمعالجة المنصفة التي ترد للناس حقوقهم وتحفظ للمدينة مورداً يعبث به أشخاص، ويحرم منه مجموع السكان؟!. ولهؤلاء نقول: إن صمت المواطنين لا يعني قبولهم بهذا الموقف، ولكنه صمت المكره، وصمت المترقب، وصمت قد لا يطول.. ولهؤلاء نقول: لمصلحة من تبقى المسألة معلقة، ويبقى المواطنون يتحدثون عن تسيب وفساد وظلم، في حين بإمكان قيادة المحافظة حسم المسألة ومعالجتها؛ فهي لا ترتقي إلى مشكلة الوطن العربي وقضيته المركزية التي تداخلت فيها تعقيدات كثيرة بسبب تردد وتخاذل القيادات والأنظمة العربية؟!. ولهم نقول: أليس من مصلحة السلطة المحلية أن تعالج هذه المشكلة وإغلاق ملفها، إذ تكون بذلك قد كسبت قلوب ومن قبل أفواه الناس الذين ستكون ألسنتهم رطبة بفعل الماء وبفعل الدعاء لمن يحق الحق ويبطل الباطل؟!. والجدير بالذكر أن مشكلة المياه الآنفة الذكر، مشكلة قديمة جديدة امتدت لسنوات، وكانت قد بدأت في عهد الإمام البائد، وانتهت بصدور حكم للسكان، والحكم بحوزة أهل الشأن، ومع استمرار الخروقات إلا أن الأسوأ هو ما يحدث من سنوات ويستمر إلى الآن بوتيرة متصاعدة، وإلى درجة أن تنامى نهب المياه ليبلغ الذروة، فكل من امتلك درجة من تأثير يمكنه أن يمد إلى منزله أنبوباً، ومن السهل عليه أن يشرك أنبوباً صغيراً إلى خارج المنزل تحت مسمى «سبيل»!!. نكرر وضع القضية مرة أخرى بين يدي الأخ المحافظ ونائبه وكل من له شأن، ونناشدهم التدخل السريع لمعالجتها، وإن تركها على هذا الحد لن يكون محمود العواقب، فلا أعتقد أن الماء من الأمور الهينة، وإن السكوت عنه يعني تسليماً بأمر واقع، فالماء عمود الحياة وأساسها، وهذا ما لا نقوله نحن، بل ما قاله رب العالمين: «وجعلنا من الماء كل شيء حي». لقد اعتمد السكان لعقود على هذه المياه وكانت مسيلة ويستفيد منها كل السكان، وتحولت اليوم إلى مياه يستحوذ عليها ثلة من الناس، ويحرم منها الغالبية. وأعتقد أن هذا الأمر يتناقض مع الديمقراطية التي تنتصر للغالبية، أم أن ما نسمع عنه حديث صحف وإعلام. إننا على ثقة مطلقة من أن هذه الممارسات لا يمكن أن تكون مسئولة بأي حال من الأحوال، ونؤكد أنها سنّة لابد أن تتغير، وان الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يترك هذا الظلم يمتد ويستمر وهو يتصل بمورد حيوي وأساسي للحياة. فهل نسمع عن إجراءات تنهي هذا الظلم وتعيد الأمر إلى جادة الصواب، فالمواطن لا يطلب غير ذلك، وهل في هذا الطلب خروج عن النظام والقانون؟!. وإنا لمنتظرون. والله من وراء القصد.