كتبنا في مقال سابق عن المياه العذبة المسئول عنها مكتب الأوقاف بتعز وأشرنا في مقالنا ذاك أن هذه المياه التي كانت مشاعة لسكان المدينة، حيث كانت تمر بسواقٍ من العيون ويستفيد منها الجميع، صارت فيما بعد في أنابيب، وحين تم ذلك كانت الفرحة كبيرة لأن الأنابيب ستحفظ المياه من التلوث الذي كثيراً ما يحدثه الإنسان لسبب أو لآخر، ولكن أحداً من الناس لم يتصور أن تتحول تلك الأنابيب إلى أنابيب تحمل هواء، ولا يمر فيها الماء للجمهور إلا في دقائق معدودة حين يقرر المسئول عن التوزيع ذلك، بينما وجه الماء إلى أنابيب أخرى تنقل الماء إلى منازل المتنفذين والوجهاء وكبار الموظفين وعلى نحو دائم وبتدفق عجيب إلى درجة أن بعض هؤلاء أفرد صنبوراً على بابه للفقراء والمساكين الذين لا يصل إليهم ماء عذب أو مالح أجاج والعجيب أنهم اعتبروا ذلك من أعمال الخير، ويعتقدون أن ذلك يقربهم إلى الله زلفى، ألا بئس ما يظنون.!! والمدمي لقلب كل ذي ضمير حي، ومواطنة صادقة نابعة من تقوى الله ومراقبته في السر والعلن، أن المواطنين «الرعايا» بعد انتظار طويل لأيام يملؤون صفيحة أو اثنتين من الصفائح البلاستيكية ذات العشرين لتراً، بينما المتنفذون الذين سطوا على الماء يروون أشجار حدائقهم ويتصدقون كما يقولون على مدى أربعة وعشرين ساعة.... هل يا ترى هذه الصورة تعكس مصداقية المساواة، وتترجم ما يطرح عن الحقوق والواجبات، وتتمثل الحرص على المال العام، والملكية العامة، أعتقد جازماً، أن الجواب لا، وألف لا..والمؤسف أن هذه الصورة ماثلة للعيان، ومشهودة للجميع وسبق أن رفع عدد من السكان شكاوى عديدة للجهات المعنية سواء مكتب الأوقاف، أوالمحافظة.. وكانت آخر تلك الشكاوى الشكوى التي قدمت للمحافظ السابق رعاه الله الشيخ صادق أمين أبو راس الذي أصدر أمراً صريحاً بنزع الأنابيب وإعادة الأمور إلى مجاريها السابقة وبحيث تتحقق الاستفادة للجميع.... وكذلك وجه بأمر صريح الأخ الأمين العام للمجلس المحلي بالمحافظة إلى مديرية صالة بذات المضمون، وتشكلت لجنة لدراسة الواقع المدروس بانتهاكات أولئك النافذين إلى كل شيء واللجنة ما تزال إلى الآن في خبر كان، ويقال إنها تبحث عن معدة أو آلة «درس» حيث التبس عليها الأمر، وظنت أن المطلوب القيام بعملية «دراس» لمحاصيل الحبوب... وهنا نقول لهم: إن المطلوب هو قول الحق، وترك كل الحسابات جانباً، فأمام الجميع الله سبحانه وتعالى، هو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور... وعلى الجميع أن يدرك أن حسابات الدنيا حسابات وضيعة لا قيمة لها ولا وزن أمام حسابات الآخرة التي لا ينفع فيها ولا معها لا مال ولا بنون، ولا وساطة ولا وجاهة، ولا مراتب اجتماعية أو مهنية أو حزبية أو سياسية أو مالية.. لقد حذرنا في المقال السابق من غضب الناس، ولم يؤخذ ذلك في الحسبان، وفي هذه الأيام، يتدارس المواطنون القيام بعمل ما قد لا يكون ساراً لأحد للدفاع عن أغلى وأهم شيء في الحياة، وهو «الماء»، حيث يقول تعالى: «وجعلنا من الماء كل شيء حي» ونقول للمسئولين بمستوياتهم الوظيفية المختلفة: إن المواطن قد يستغني عن الكهرباء، وعن الوسائل الحديثة في المواصلات، والاتصالات، وحتى عن المنازل، واستبدال ذلك ببدائل «الفانوس، والحمار، والخيمة أو العريش» ، ولكنه لايمكن على الإطلاق أن يستغني عن الماء حيث لا تتوافر بدائل له... وهذه حكمة الله سبحانه وتعالى. ومن جانبنا حاولنا إقناع المواطنين، أننا سنرفع هذا الأمر، وهذا الحال إلى الأخ المحافظ الجديد عبر الصحيفة الغراء «الجمهورية»، ونطلب منه تشكيل لجنة للتقصي والتحقيق والتأكد من هذه الشكوى، وإنصاف عامة الناس من ثلة قليلة يقال عنها إنها من خاصتهم، حيث قلبت الموازين وصار على الفقير المعدم أن يبحث عن مياه ويشتريها بالاستدانة أو بالتسول أو. أو. وصاحب الاقتدار المالي والإمكانات الهائلة يعبث بالماء ويستخدمه استخدامات متنوعة ومتعددة الأغراض وعلى مرأى ومسمع من ذلك المحروم المعدوم، وفي الأخير يقول له: تعال وأملأ لك صفيحة إذا رق قلبه ومرت عليه ساعة سليمانية بعيدة عن سطوة الجن والشياطين... إن الاعتداءات على المياه على النحو الذي يحدث قد حول المياه العذبة التي تمر بثعبات والجحملية نزولاً إلى عصيفرة على حسب ذكرى التاريخ لمرور الساقية التي يرجع تاريخها للعهد الرسولي المبارك إلى عذاب، نتيجة سطوة هواة التعذيب والاستئثار بالأشياء حتى أصغرها... وللعلم إن هذه المسألة ليست مقتصرة على المياه التي تسمى «الحالية» من الحلو، بل أيضاً هي ظاهرة ممتدة وتشمل المياه «المالحة»، حيث يعتدى عليها بصور شتى كتعطيل المحابس أو نزعها ومد أنابيب غير مشروعة لنقل المياه دون قيمة إلى منزل نافذين أو مدعومين أو مستهترين بالحق العام... أو من خلال امتناع بعض هؤلاء الوجهاء - كما يسمون - عن تسديد فواتير المياه، حيث تجاوزت المبالغ المستحقة عند بعضهم للمؤسسة المليون ريال.. إن الانتماء الحقيقي لهذا الوطن لايترجم بالشعارات ورفع الرايات، بقدر ما يتم بالترجمة الصادقة لمعاني الحرص والحفاظ، والدفاع عن الحق العام، وعدم التمادي على حقوق الآخرين وعد كل فعل يضر بالآخرين ويؤثر عليهم هو فعلاً يضر بالوطن ويؤثر عليه، ومن ثم فإن الإحساس بالمسئولية هو أولى تلك المعاني المطلوبة في الانتماء وممارستها جوهر حقيقي للمواطنة.. فهل ياترى نسمع ونرى فعلاً يقول لمن عبث سنوات بالمياه: «قف» مع الإحالة إلى التحقيق والمساءلة لكل من أسهم في هذا العبث وأجراه.. إنا لمنتظرون والله من وراء القصد.