إذا لم تحكم المبادئ سلوك الناس وأفعالهم؛ فإن المصالح هي التي تفعل ذلك، وشتان بين من تسيّره مبادئه وتحكم تصرفاته؛ والحديث هنا عن المبادئ النبيلة؛ لأن ثمة مبادئ قذرة قد تحكم عمل الإنسان، وللشياطين مبادئ في المسمى لكنها سيئة المضامين. وكثيراً ما يستعير الإنسان من هذه المبادئ ويطبقها في حياته وتعاملاته مع الناس ومع كل من حوله، ولهذا نؤكد أهمية المبادئ السامية النبيلة ليقتصر المعنى وتقتصر الدلالة عليها في سياق هذا الموضوع الذي أوحى لي بمضمونه أحدهم في لحظات حديث عن الأوضاع المحلية والعربية حيث قال: إن اللافت للنظر والمثير للغرابة هو أن هناك فئة من الناس في بلادنا وفي البلاد العربية عموماً، وهم كثيرون، يعملون ويتصرفون لا بحكم المبادئ ولا بحكم المصالح, فالمبادئ التي يفترض أن يعملوا وفقها غائبة أو مغيبة، وهي في حالتها الثانية أكثر، ومن ناحية أخرى كل ما يقومون به هو في أساسه ضد مصالحهم وضد مصالح الجميع في أوطانهم. وهنا نقول: إن هؤلاء بالفعل يمثلون فريقاً ثالثاً في حال تصنيف الناس على هذا الأساس.. فريق يعمل وفقاً لمبادئه، وفريق لمصالحه فقط، وفريق ثالث لا مبدأ ولا مصلحة.. العمل والتعامل والتعاطي وفقاً للمصالح الأنانية التي لا تراعي مصالح العامة يندرج ضمن المبادئ القذرة.. ولا نخلط في هذا الأمر بين هذا النوع من المصالح وبين المصالح المشتركة التي تحكم العلاقات بين المجتمعات والشعوب والدول التي هي عناوين بارزة في العلاقات الدولية والتي تأخذ شكلاً ظاهراً وواضحاً بحيث لا تتعمد الإساءة أو الإضرار بمصالح الدول الأخرى. لكن ثمة سياسات تقوم على ذات مبدأ المصلحة ولو كان فيها ما يضر بمصالح الغير أو يسحقها نهائياً وهو السائد في العلاقات الدولية المعاصرة حتى في إطار علاقات الجوار وتحت مظلات عديدة ومع كل هذا وذاك تبقى هذه السياسات مفهومة ويعرف الجميع أن المصالح طغت على المبادئ السامية وأن هناك أسباباً عديدة تُشرع لأصحاب هذه السياسات وأصحاب المصالح ما يفعلون. لكن كيف يمكن أن نفهم سياسات ومواقف الذين لا تحكمهم مبادئ ولا مصالح؟ هناك أكثر من وصف لهؤلاء ليس الغباء أولها ولا آخرها. هؤلاء الأغبياء حاضرون بقوة على مسرح الأحداث محلياً وعربياً ودولياً أيضاً، وللأسف لهم صولة وجولة، ولهم أنصارهم الذين يُجمِّلون قبحهم أو هكذا يظنون أنهم يفعلون. والغريب حقاً أن تكون الأمور واضحة وجلية بالمقياس الشعبي العام، وبالعقل والمنطق وبالنتائج الملموسة الناتجة عن تصرفات وأفعال هؤلاء الذين لا مبدأ ولا مصلحة لهم ثم تجد من ينبري مدافعاً عن تصرفات هؤلاء وأفعالهم وبحماس فيقطع النظر إلى حد اختناق الأنفاس من شدة الانفعال والتعصب لهذا الأمر.. هذا النوع من الناس ليس مفترضاً على الإطلاق؛ لكنه موجود على أرض الواقع وفي واجهة المشهد اليومي وفي المعترك الراهن. ومن يهمه معرفة هؤلاء الناس يمكنه ذلك بسهولة مطلقة ولن يحتاج لمعادلات ولا لكتالوج يبين مواصفاتهم الخفية عن الأنظار، الأمر كله يتطلب أعيناً تقرأ ما ينشر، وترى على الواقع وعلى شاشات التلفزة، وآذاناً تسمع ما يقول هؤلاء في مهرجاناتهم وحواراتهم العامة وفي مؤتمراتهم الصحفية، وبالإضافة لذلك يحتاج الأمر للوعي والإدراك ليفهم الإنسان ما يدور حوله ويدرك أبعاد ما يحدث وأهدافه، وبالتالي يستطيع أن يميز أصناف الناس، فيعرف مَنْ هم أصحاب المبادئ السامية بحق، ومَنْ هم أصحاب المصالح الممقوتة ونضيف لأصحاب المصالح فئة ثانية وهي التي تضم أصحاب المصالح المشروعة حتى تكتمل الصورة؟ وبعد ذلك سوف يدرك أن في الواقع من حوله فئة من الناس لا مبدأ ولا مصلحة، وهؤلاء ربما يعلمون أنهم كذلك بالفعل وربما أنهم لا يعلمون والمصيبة من بعضها.!!