لا شيء يقف في طريق المصلحة، ولا شيء يحول دون تحقيقها أو دون السعي نحو تحقيقها، كل الخيارات مفتوحة حسنها وسيئها، مالم يتحقق بالخير سوف يتحقق بالشر والأبواب التي لا تفتح فإنها تكسر وإن كانت لن تغلق بعد ذلك أبداً.. قبيحة هي المصالح من هذا النوع، وقبيحة هي الخيارات التي لا تقف عند حد وحدود، وقبيحة كل القبح هي العقول والنفوس التي تؤمن بهكذا مصالح وهكذا خيارات لتحقيقها. عندما تعمى القلوب والأبصار وتعمى الضمائر، وعندما تنعدم الأخلاق النبيلة التي هي الحكم والمحكمة في علاقة الإنسان بنفسه وبمن حوله وفي رؤيته للأمور وفي تحديد مصالحه وأولوياتها وتداخلاتها بمصالح الغير ومصالح الناس عامة وفي رسم السُبل المثلى لتحقيق ما تجيزه هذه الأخلاق من مصالح وفي تحديد الخيارات المشروعة لذلك، يحدث كل سيئ ولا يستبعد أن تعم الفوضى. منذ زمن بعيد ظهر هذا النوع من المبادئ الذي يحدد مصالح الأشخاص وحدودها وآلية تحقيقها على النحو المجرد من الضمائر والأخلاق عموماً.. غير أن الحديث عن هذا الحال كان مربوطاً لعصور بدائية، والبدائية كانت بمثابة المبرر لهذا النوع من التعاملات والعلاقات المختلة التي كانت عنوان فوضى لحياة الناس في تلك العصور وما تلاها إلى ما قبل عصر التكنولوجيا والثورة المعلوماتية الذي يفاخر به أناس هذا العصر وبالوصول إليه خدمة للبشرية. لكن الحقيقة المؤكدة في الواقع اليوم تنفي مبرر البدائية سبباً لحروب المصالح والظلم الناجم عنها الذي أصاب فئات عديدة تاريخياً وأصاب الحياة العامة بالشلل في حقب زمنية مختلفة تحت حكم المصالح التي لا تحكمها الأخلاق النبيلة، وفي ذات الوقت فإن هذه الحقيقة لا تعفي الثقافة المعاصرة من صراعات المصالح التي تجري بأسوأ صورها وأشكالها مرتدية ملابس وقناعات عصرية مستفيدة من التكنولوجيا في خدمة الصراع التي هي خدمة للمصالح أولاً وأخيراً. وهذه الحقيقة بشقيها تعيد تأكيد دور الأخلاق في صياغة المصالح وتحديدها وأولوياتها وسبل تحقيقها، والأخلاق حاضرة من بداية الخليقة تحكم سلباً وإيجاباً غير أن حضورها لا علاقة له بالتكنولوجيا وثورة المعلومات ولا بالتقدم الحاصل في شتى المجالات، كما أن غيابها أو اختلالها لا علاقة لهما بالزمن القديم وحده، فالكثير من التقنيات المعاصرة تستخدم ضمن استخداماتها العديدة بطرق سيئة تضر بالأخلاق ولا تنفعها. أصبح العالم كله تديره مصالح الأقوياء وتتجاذبه المصالح عموماً، وأكثر هذه المصالح لا أخلاقية في حقيقتها وفي سبل تحقيقها وفي نتائجها التي تخلفها على المستوى العام. الذين ينظرون لما حولهم بعين المصلحة لا يرون غير مصالحهم، ولا ينشغلون بغير تحقيقها والوصول إليها بشتى الوسائل والسُبل، والذين يؤثرون مصالحهم على مصالح الناس عامة هم مصيبة كل مجتمع يحلون به. وفي بلادنا لا يخلو المجتمع من مصائب عديدة مبتدأها هم أصحاب المصالح الخاصة المفضلة على كل مصلحة والمُقدمة على كل المصالح، وفي سياقها كل الاحتمالات مفتوحة للوصول إليها وكل الخيارات مشروعة لتحقيقها ومنتهاها أنها غير محكومة بأخلاق ولا تقف عند حد لها من أجل مصالح المجتمع ككل، وأسوأ السوء في لعبة المصالح وأصحابها أنهم لا يسمعون غير نداء المصلحة فقط. لقد صموا آذانهم عن كل نداء، وأغمضوا أعينهم عن كل السُبل الأخرى التي يمكن أن توصل الجميع إلى بر الأمان حيث مصلحة الجميع هناك تكمن بلا ضرر أو ضرار. في سمع أصحاب المصالح الأنانية الخاصة لا صوت سواها يصل ولا صدى، وفي نظرهم لابد من تحقيقها بأي ثمن، ولمن يريد المزيد من الحقائق عن هذا الموضوع ولا يهمه وجع الرأس الذي سيصيبه فليقرأ صحف الأحزاب والصحف التي تنضوي تحتها بمسمى أهلية، ويرى كيف أن المصالح الخاصة قد أتت على سواها وأعلنت عن نفسها مجردة من القيم والأخلاق، وقد مارس أصحابها التعري على الصفحات!!!!.