الذين قرروا أن لا يكونوا مع أوطانهم واكتفوا بمصالحهم الذاتية وسعوا نحو المزيد من هذه المصالح على حساب الناس والأوطان هؤلاء فقط يجب أن يسألوا أنفسهم كم هي المصالح من هذا النوع قبيحة؟ وما قيمة المصلحة حين تذهب الأوطان إلى دائرة الخراب والدمار ويذهب الناس فيها إلى الموت؟. ما قيمة المصالح حين تعبر على جماجم الأبرياء وأشلائهم؟ وعندما يستمر الإصرار على المصلحة رغم سيل الدماء المتدفق، ما هي النتيجة النهائية؟ ألم تؤثر فيهم مشاهد الموت الجماعي ومشاهد الخراب والدمار حين تحل بأوطانهم وهم إليها ينظرون وينتظرون النتيجة التي يرجونها ويعلمونها سلفاً ويدركون أن ما يحدث لم يكن ليحدث على هذا النحو أو ذاك لولا أن المصالح التي يسعون لكسبها كانت حاضرة في التمهيد للأحداث وفي التنفيذ الذي لم يستثنِ من مقومات الحياة شيئاً وفي النتائج التي سوف تكون مدمرة بكل تأكيد وإن تحققت تلك المصالح أو تحقق شيء منها لأن النتائج متعلقة بالجميع لا بالفرد ولا بالجماعة التي تتفق في مصالحها ولا يهمها ولا يحزنها غير فقدان مصالحها ولو كان البديل ذهاب البلد بمن فيها وعليها. هؤلاء الذين يجنون مصالحهم من دماء الناس واشلائهم ومن بين أكوام الدمار الذي يحل بالأرض ألم تقنعهم المشاهد بالتخلي عن هذه المصالح لأن سبيلها غير أخلاقي؟. ما يحدث في البلاد العربية من قبل غزة وما سوف يحدث بعد غزة يبدأ من المصالح التي لا ترقب في الأوطان مصلحة أو حياة أو وجوداً.. كل ما حدث ويحدث نجد فيه بصمات أصحاب المصالح من أبناء هذا البلد أو ذاك منفردة أو بالتوافق أو الاتفاق مع القادم الغازي أو المعتدي، نجد هذا وهم يقولون إن قلوبهم وضمائرهم وجهودهم مع الوطن ومن أجله!!. ثم إنهم يقتاتون على حساب الجثث والاشلاء وبقايا المدن والقرى وعلى حساب الأرض والإنسان وقد نُهبت الأرض وتشرد الإنسان. ويبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: ألم تقنع الأحداث التي جرت في أكثر من بلد عربي وكانت نتائجها الخراب والدمار والفناء، ألم تقنع هذه الأحداث أصحاب المصالح الخاصة في البلدان الأخرى بالكف عن لغة المصالح من النوع المدمر ويتراجعون عن هكذا حسابات وهكذا سياسات وقد وضح الدليل واتضحت النتائج؟. هل لابد لهؤلاء من التجربة ليكتشفوا قبح المصالح وسراب النتائج المرجوة أحياناً؟. تساؤلات كثيرة تولد من رحم المعاناة ومن بين الانقاض والدماء لماذا يتواطأ الإنسان على أهله ووطنه لمجرد مصلحة يرجوها ويدفع من أجلها كل القيم والأخلاق ليضمن الوصول إليها ناسياً أو متناسياً أن ما يحصل عليه لن يستمر ولن يتحقق على النحو الذي ينشده وإن تحقق ذلك فقيمته على حساب وطنه وأهله وعلى حساب من لا علاقة له بحساباته وخلافاته. ثم لماذا جعل هؤلاء من بوابة الخراب والفناء ممراً أساسياً لتحقيق مصالحهم؟ ولماذا ينبغي أن تتحقق مصالحهم بأي ثمن وعن طريق التحالف مع العدو على القريب؟. إن ما يتحقق بالمؤامرات والخيانة والتواطؤ وبيع القيم والأخلاق كان يمكن أن يتحقق لو أن هؤلاء صبروا وسلكوا طرق الوصول المناسبة لكنهم دائماً يستعجلون مصالحهم فتأتي النتائج كارثية. إنهم يخطئون في التعبير عن مطالبهم، وحين يفشلون يتجهون نحو أسوأ السبل وأقبحها حيث لا شيء يردهم عن ضلالهم بعد ذلك. ولأن للمصالح الحقيرة أكثر من وجه ولها امتدادها طولاً وعرضاً فإن ما يحدث في المنطقة العربية هو حصاد صراع المصالح، فالكثير من الدول والأنظمة تتعاطى مع القضايا التي تحدث وفقاً لمصالحها أيضاً ولو كان الثمن ذهاب وطن أو نهاية قضية مصيرية لشعب أو أمة. وصلنا إلى زمن تباد فيه الشعوب من أجل مصالح شخصية لأنظمة أو لدول أو أقل من ذلك.. وللأسف فإن أصحاب المصالح عميت أخلاقهم وضمائرهم ولم يعد بمقدورهم الموازنة بين مصالحهم ومصالح الأكثرية ولا فرق بين هؤلاء سواء كانوا من أبناء البلد أم من البلدان المجاورة أم كانوا غزاة، فالمصالح بلا أخلاق أو قيم يمكن أن تردع أصحابها عن أفعال البشاعة والقبح.