هذه الثورة الإعلامية الماثلة في الفضائيات، ليس من شك أنها تساعد على نشوء المعرفة وانتشارها وتركيز الديمقراطية وبثها واعتبارها خياراً إنسانياً مفضلاً ومحترماً. وبالرغم من المقارنة الظالمة بين ما تبثه وسائل الإعلام الغربية والشرقية غير العربية من برامج هادفة تصدر عن سياسات مرسومة بشكل استراتيجي مسبق، وبالرغم من أن القنوات الفضائية العربية فيما يبدو ليس لها هدف، فإن ما يوجد خير مما لا يوجد، وجزاهم الله خيراً. أشاهد محطات التلفزة العربية أحياناً لمتابعة حدث من الأحداث أو كارثة من الكوارث؛ فأجد المحطة العربية، هذه أو تلك، تبدو على نحوٍ من السذاجة؛ بل إن السياسة هي التي توجه الحدث في القناة العربية، وما تلبث هذه السياسة أن تخضع لمنهج إعلامي حديث أو معاصر سيان. بل إن هذه السياسة تبدو على درجة من التقليدية والخطاب المعتق القديم، كما حصل أثناء حرب «غزة» وموضوع إخضاع الحدث، بما في ذلك الحدث الكارثي الطبيعي كالزلازل والأعاصير مثلاً للتوجه السياسي، أمر ممجوج، لم يعد يسيغه العقل ولا الذهن. مع أن المعلوم أن الحدث ينبغي أن يوجّه الخطاب السياسي، لذلك هناك قنوات عربية فقدت مصداقيتها بما في ذلك قنوات الإذاعة وقنوات الصحافة!!. لقد حاول المشاهد العربي أن يحترم نفسه، فانصرف، أو قام بعملية «تشفير» ذهنية للعديد من القنوات العربية، لأنها قنوات، إما تقليدية خالصة أو لأنها تقوم بتسريب كذب «غير ممنهج» وغير مدروس مما لم يعد ينطلي على أحد. حقاً إن محطات ك«البي. بي. سي» و«السي. ان. ان» وال«يورونيوز» ومحطات غيرها لا يمكن أن تكون حيادية، لأنها محطات تحمل توجه دولها، ولكن المشاهد العربي إلى حد بعيد يثق بها ويطمئن إلى كثير مما تنقله وتبثه؛ فهي في رأيه أحسن الكاذبين أو على الأقل ذات كذب محترم. أقول: إن المشاهد العربي وبشكل ربما تلقائي أصبح إلى حد بعيد يميز بين الكذب «المنعوث» الذي لا يربطه رابط، والكذب العلمي المدروس. لقد أصبح المنهج يحتل مساحة في ذهن العربي رغم أميته ولهذا إما أن نكذب بعلمية وموضوعية؛ أو أن نقفل على الأقل نشرات الأخبار.