يقدر المسئولون الحكوميون في محافظة تعز إجمالي الضرائب التي يتم جبايتها من أسواق القات بما يزيد عن مليار ريال سنوياً، إلا أن مايقارب «500» مليون ريال منها - أي النصف - لا تدخل ميزانية المحافظة، بل تدخل جيوب «متنفذين» مستفيدين من فوضى الأسواق العشوائية، وتعطيل المخططات الحضرية على خلفية افتقار معظم المسئولين للثقافة الجمالية. ومع أنني لم أعرف تداولاً لكلمة «متنفذين»، إلا أن المواجهة «المسلحة» بين بائعي القات وأجهزة الأمن التي شهدها الأسبوع الجاري على خلفية قرار نقل أسواق القات بتعز إلى طرف المدينة، ترجمت معنى دقيقاً لما يمكن أن تعنيه كلمة «متنفذين» وكشفت أن بقاء «العشوائيات» لم تكن موضوع «ثقافة جمالية» لدى المسئولين، بل أقرب ما تكون إلى «قرار حرب» مع قوى فساد متغطرسة لا تتوانى عن استخدام الأسلحة من أجل البقاء.. ! قبل يومين فقط عرفت أن الأخ شوقي أحمد هائل سعيد - رئيس لجنة التخطيط بالمجلس المحلي للمحافظة - هو من يقود حملة إزالة العشوائيات، ونقل سوق القات، وتحسين جمالية تعز.. فقد تلقيت اتصالاً من تعز ممن يبلغني بمعلومات مسيئة لبعض الشخصيات ويطلب نشرها، ولما تحققت منها تبينت أنها جزء من حملة القوى «المتنفذة» المضادة لحملة إزالة العشوائيات.. وأيقنت مدى خطورة مكافحة الفساد، وحجم الصعوبة التي تواجهها الدولة في تنفيذ برامجها الإصلاحية، ومدى أهمية تضافر الجهود الشعبية لمختلف القوى الوطنية إذا ما أرادت بلوغ أمانيها في الحياة الكريمة. ولكن.. إن كنا كمثقفين وإعلاميين نؤمن بالشراكة المجتمعية مع الدولة، فما الذي يمنع الدولة من الوثوق بهذا الرهان، وإسناد ظهرها إلى حملات تعبوية، وتحالفات شعبية طوعية تعزز قدراتها الإصلاحية وتمنع الالتفاف على برامجها بحملات مضادة، غالباً ما كانت عائقاً أمام الكثير مما تعتزم الأجهزة التنفيذية القيام به .؟! إن الاشكالية التي تعيد استنساخ نفسها في معظم المحافظات هي افتقار الأجهزة الحكومية للغطاء الإعلامي التعبوي الذي يعزز قبول مشاريعها الإصلاحية خاصة تلك التي تتوقع تقاطعها مع مصالح من تسميهم ب«المتنفذين» وهذا يحدث إما لنقص معرفة بجدوى هذا الغطاء، وإما لاعتمادها على قوى تقليدية غير ماهرة، أو ممن يتاجرون بالكلام، أو ممن رفعتهم المحسوبية درجات.. وهم جميعاً احترفوا فن البقاء.. ولكن على حساب إفساد المصالح الوطنية. فعندما يتبنى محلي تعز مشروعاً لنظافة المدينة، وإزالة العشوائيات كان لابد من وضع حساب لردة الفعل، خاصة وأنه سبق أن أخفق بنفس المشروع، وواجه عملاً مسلحاً على غرار ما حدث هذه المرة أيضاً فمدينة تعز تزخر بمنظمات المجتمع المدني، وبوسائل الإعلام، والمراكز الثقافية، وبأكبر قدر من الكوادر الأكاديمية، ويفترض مد جسور الشراكة معها، ليصبح المجتمع الواعي جزءاً من تكوين أجهزة الدولة وليس منفصلاً عنها.. ولا شك أن كل هذه الفئات يهمها نظافة تعز وتحسين جماليتها، لكن مازالت تخجل حضور وليمة بغير دعوة إليها، لأنها ستبدو متطفلة.