كلما تم الإعلان عن تشكيل لجنة أو هيئة بهدف إصلاح أي اعوجاج،أو اجتثاث مواطن الفساد بهذه الوزارة أو تلك أو بهذا المرفق أو ذاك.. كلما تم الإعلان عما قلناه آنفاً تضاعف الفساد واستشرى بالعديد من المرافق . فالملاحظ أن موجة الرشوة قد ازدادت وتضاعفت بالعديد من المحاكم بشكل مخيف. وقد لوحظ هذا في أعقاب تشكيل لجنة مكافحة الفساد هذه اللجنة التي ما نزال نعلق عليها الكثير من الآمال تجاه مكافحة فساد الدوائر الحكومية وبوجه خاص..دوائر القضاء.. فلا أحد حتى اليوم يجد التفسير الوجيه لارتفاع هذه الموجة العلنية الصارخة..حيث لم يعد طلب الرشوة على استحياء كما كان سابقاً وحسب بل بات أمراً واقعاً وإجبارياً بضرورة أن يدفع المراجع مبلغاً يحدده هذا الكاتب أو ذاك وبصوت عالٍ والويل كل الويل للمراجع الذي لا يدفع المبلغ الذي يحدده موظف المحكمة ،بل إنه قد يرمي المبلغ بوجه المراجع إذا لم يكن ما دفعه المبلغ المطلوب؟ فلقد أخذت أفكر وأتأمل ملياً في هذا الأمر وبهذا التطور الذي طرأ على أمثال هؤلاء الموظفين بهذه المحاكم وكيف يتصرفون على هذا النحو الجريء الفاضح فأدركت أن مثل هذا العمل ما كان أن يحدث إلا بعد تشكيل لجنة مكافحة الفساد.. ففي تقديري إن أمثال هؤلاء بعد أن سمعوا عن قيام لجنة طويلة عريضة لمقاومة الفساد أيقنوا أن أمر هذا الفساد أمر عظيم،لاسيما وأن الأمر الطبيعي والموضوعي في مكافحته ، كان ينبغي أن يكون من قبل قضاة المحاكم، كما هو حال معظم بلدان العالم أما وأن أمره قد بات منوطاً بهيئة خاصة بمكافحته، فإن هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذا بمثابة ضوء أخضر قد أعطي لأمثال هؤلاء. وعلى كل حال فإننا نرى ونعتقد أن أفضل وأنجع طريقة تبدأ باختيار المسئول الأول بأي مرفق بحيث تعطى لهذا المسئول صلاحية لاختيار معاونيه واختيار عيون نزيهة له بنفس المرفق لمتابعة المنحرفين ،وبوجه عام فإن معظم دول العالم تنيط قضايا الفساد برجال الشرطة والقضاء وبمساعدة أجهزة الأمن المختلفة ،شريطة أن يكون رجال الأمن عناصر منتقاة على قدر كبير من النزاهة والحكمة والوعي يعون كل معاني « الأمن والوطن» بل إن رجال الشرطة تحرص حكومات العالم المختلفة على نيلهم قدراً كافياً من علوم شئون الضبط القضائي، وتوعيتهم بواجباتهم لحراسة هذا المواطن وأمنه وحقه في الحياة، ولقد سمع الكثير منا كيف أن العديد من الدول والحكومات تحيل وزراء للتحقيق معهم من خلال أقسام الشرطة وأعضاء النيابة الذين يجسدون ويتمثلون قوانين البلاد بكامل الحيادية والعدالة والدقة والأمانة الملقاة على عواتقهم. فعضو النيابة ووكلاء النيابات، يشكلون أخطر وأهم مرحلة من مراحل تحديد وتكييف قضايا الحوادث والجرائم الواردة إليهم المتصلة بشئون وحياة الناس. ولذلك فبقدر ما تكون أولى الاجراءات لرجال النيابة صحيحة ودقيقة وسليمة بقدر ما تكون أحكام القضاة والمحاكم عادلة وصحيحة. فالأجهزة القضائية وأعني بهم أعضاء النيابة وكتاب المحاكم الذين يتولون تسجيل وقائع جلسات المحاكم، وكل من له علاقة بأمور الضبط والشئون القضائية هؤلاء ينبغي أن يكونوا على قدر كبير من السمو والمهابة والاحترام والوقار، على اعتبار أنهم يمثلون العدالة وأن تكون لهم مواثيق شرف، أما نحن معشر الصحفيين الذين مضى علينا قرابة عقود ونحن عند كل مؤتمر عام من مؤتمراتنا نجد ونجتهد لإنشاء وتأليف مشاريع مواثيق الشرف للصحفيين وحثهم بل وإلزامهم على ضرورة الالتزام بهذا الميثاق أو ذاك وكأننا قادرون قولاً وعملاً على التأثير والتغيير بهذا الواقع لاسيما وأننا في وقت وزمن فقدت فيه الكثير من القيم معانيها وأثرها..فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.