فيما ينفق الكثير من الناس أموالاً طائلة ليصبح لهم فلذات أكباد، يتمنى آلاف منهم أنهم، لو كانوا نسياً منسياً.. فحين تتلون الأحداث وتتبدل الأدوار ويصبح الذين أنفقنا أعمارنا ونحن نتلوا عليهم آيات الحب والخوف والحنان والأمل هم أنفسهم أعداءنا وقاتلونا. وكثيراً ما تتكرر أحداث الحياة أمامنا وقد حملناهم صغاراً ورفقنا بهم أطفالاً وخفنا عليهم شباباً، بل ورجالاً.. تتمنى كثير من النساء لو أنهن كنّ عاقرات على أن ترى إحداهن ويلات وحسرات بين يدي ابنائها وخاصة الذكور منهم، حيث ينخلع القلب وتهوي الروح ويتفلت زمام النفس حين نتعايش مع أمهات وآباء شاء لهم القدر أن يكونوا من أولئك الذين لايعلمون من الحياة إلا مرارتها وعلقم أحداثها. فكم من الأمهات أمست طريحة فراشها.. لزيمةً للخوف.. لصيقةً بالمرض حين يُعتدى عليها من ابنها.. وما أصعب أن أكتب مثل هذه الجملة التي تؤلم القلب وتصدع سماء العقل.. لا شيء مستحيل في الحياة.. نعم.. لكن ذلك قد يكون أعتى مساحات المستحيل.. كنت أستقلُ«دبدوب» بيرباشا المطار حين دخلت امرأة «عجوز» بالكاد ترى أمامها، وحين وضعت يدها على طرف المقعد لتجلس وتستريح إذا برجل ذي ملامح قاسية يدفعها بقوة إلى الأمام فوقعت بين يدي، حتى إنها حجبت عني الرؤية، ولشدة المفاجأة وجدتُ نفسي أحملها وأجلسها بجانبي وأنا أتساءل: لماذا فعل هذا الرجل ما فعله؟! لقد أحسستُ بفطرتي كأنثى وأم أنه ابنها بل إنه ابنها العاق.. كانت تحمل قنينة مياه صحية أخذها منها بقوة ولم يكد يبلل صحراء فِيه حتى ألقاها بعيداً على الرصيف دون أن يسأل والدته أهي أعطشى أم شربت من بحر العصيان والجحود ما يكفي؟! سألتها: هذا ابنك؟! قالت: نعم.. وبحرٌُ من الدموع خلف عينيها يكادُ يكون طوفاناً لولا أن رحمة الله بنا اقتضت أن تحبس المآقي بحارها خلف غشاءٍ شفاف نرى من خلالهِ أو قد لا نرى.. كنت أتمنى لو أن لي به قوة.. لكني آويت إلى بيتي يغمرني حزن لاحدود له.. وبقيت أمشي محنية الرأس.. ثقيلة الفكر.. اشتعلت حولي نار ما لم يطفئها إلاّ صوت الأمومة بداخلي ودعائي بالهداية لكل من أمسك الشيطان بناصيته داعياً إياه إلى الهاوية. لن أنسى مارأيت ولو أنه كان للإنسان قدرة على هداية أبنائه لفعل ذلك الأنبياء والصالحون، غير أن الله يهدي من يشاء ويُضل من يشاء.. لكم أتمنى أن يحمل كل أب وكل أم مسئولية تربية أبنائهم على محمل «الحب» أكثر منه على محمل الجد.. أيها السادة والسيدات يصنع الحب الشيء الكثير.. ألم تروا أن حب الله تعالى لعباده وفرحته بتوبة العاصي منهم في الستر عليهم ومدّهم بالعون والصبر وامدادهم بالحلال الطيب وثم جنة عرضها كعرض السماء والأرض أليس هذا الحب يدفع بنا لعمل ما نستطيع لنحصل على المزيد من التوفيق والرضا وسعة الصدر وراحة الضمير.. ارسلوا «sms» إلى آبائكم وأمهاتكم حالاً.. قولوا لهما.. نحبكما.. لاتنسونا من الدعاء.