اكتب إليك وداخلي خوف غامض من ان تنتهي رسالتي في الادراج المنسية أو أن يكون مصيرها سلة المهملات ورغم ذلك اكتب فليس أمامي إلا التعلق بقشة النجاة من بحر الأحزان.. لعل قصتي ومأساتي تصل إلي الاخرين فيتداركوا الوقوع في نفس الأخطاء التي صنعت مأساتي.. وربما يدرك الآباء والأمهات المعني الحقيقي لقيمة العدل في تعاملهم مع الأبناء.. وإليك سيدتي تفاصيل قصتي.. * أنا شاب أبلغ من العمر 30 سنة، أعمل في وظيفة محترمة بالسلك العسكري.. ولا ينقصي في نظر الكثير شيئا.. فلدي الشباب والمركز الاجتماعي والوظيفة المحترمة.. ورغم ذلك فحياتي سلسلة من الكفاح والألم والأحزان أما السبب وراء كل ذلك فهي للأسف الشديد : أمي لاتندهشي سيدتي فالأم المفترض ان تكون الصدر الحنون، والواحة التي يهرع إليها الأبناء في الظروف الصعبة فيجدون عندها الأمان والسكينة والراحة من كروب الدنيا. أما أمي فهي غير كل الأمهات اللاتي رأيتهن أو قرأت وسمعت عنهن. فمنذ طفولتي المبكرة مارست أمي معي التمييز في المعاملة بيني وبين اخوتي بشكل قاس لدرجة انني اشعر في بعض الأحيان انني لست ابنها أحداث كثيرة مليئة بالألم والجراح بسبب ذلك التمييز لو حكيتها لك الآن لأحتجت مئات الصفحات. المشكلة انني أصبحت الآن، وبعد كل هذه السنين متعطشا للحظة حنان، لضمة صدر منها، لإحساس حقيقي بالأمومة يحتويني، ويشبعني. واعتقد انني لا أطلب المستحيل.. فكثيرا ما أري تلك المشاهد الرائعة في أمهات اصدقائي عندما أزورهم في بيوتهم.. وأري عيون الأمهات تفيض بالمشاعر المتدفقة تجاه أولادهن، وأشعر بالحسرة علي حالي، واتساءل بيني وبين نفسي: لماذا لم يخلقني الله في هذه الأسرة التي تغدق علي أولادها حبا ودفئا وحنانا ؟ في أوقات كثيرة كنت أحلم بأن أضع رأسي علي صدر أمي، وأقول لها: آه.. كما أنا مشتاق وعطشان قوي لحنانك ودفئك. سنين طويلة منذ طفولتي عمري ما حسيت بطعم الحنان اكتب لك الآن سيدتي ودموعي تتساقط من عيني بلا قصد.. قلبي موجوع فوق ما تتصوري.. لذلك أدعو الله ان يوفقني إلي الزوجة الصالحة التي تعوضني عن هذا الحرمان الذي عانيت منه منذ طفولتي وحتي الآن. وقد حدث وارتبطت بفتاة كانت أول علاقة حب في حياتي وانتهت تلك العلاقة بالفشل رغم انني أحببتها بكل جوارحي، ووهبتها إخلاصي ووفائي. لكن صدقيني لقد ادركت ان هاتين الصفتين يبدو أنهما عيب في الرجل ورغم كل ما مر بي من أحزان.. إلا انني أشعر ان داخلي فيض من الحنان، أتمني ان أجد الإنسانة التي تقدره، وتسعد به معي، أما الأطفال فأنا أعشقهم، وأهوي الجلوس واللعب معهم، واسعادهم بكل الطرق حتي لو اضطررت لأن أصبح طفلا مثلهم يجاريهم في لعبهم وأفكارهم البريئة. نسيت أن أقول ان والدي رحمه الله كان أكثر حنانا من أمي، وكان يتعاطف معي لأنه كان يري التمييز ضدي في المعاملة، لكنه كان سلبيا، يتجاهل دوره في حياتنا وللأسف كان له دور فيما أنا فيه الآن. قد يراودك سيدتي الاحساس بأنني ابن عاق لا أعترف بفضل أبوي.. لكن العكس هو الصحيح لقد تعاملت مع أمي طوال عمري بأخلاق كريمة، وراعيت ما أمرنا به الله ورسوله في كيفية التعامل مع الأم، واحترامها وإكبارها.. لم اخطيء في حقها رغم كل هذا الظلم والجفاء الذي مارسته معي. فهل هناك ألم يمكن أن يفوق ألمي.. وهل يصدق ان تكون الأم هي مصدر الآلام والأحزان.. اجيبيني سيدتي من فضلك فقد بحت لك بآلام وأحزان عمرها ثلاثين عاما.. هي عمري المعذب الأم مدرسة إذا أعددتها.. أعددت شعبا طيب الأخلاق.. هكذا قال الشاعر أحمد شوقي.. لكن يبدو اننا في حاجة إلي ان نتعلم كيف نربي أبناءنا، كيف نقيم التوازنات في علاقتنا بهم حتي لا نهدم مستقبلهم بأيدينا، أو أن نكون السبب في آلام وجروح عديدة من الصعب ان تلتئم أو تشفي. فبعض الأمهات والآباء يعتقدون ان إظهار الحب والحنان في علاقتهم بأبنائهم يؤدي إلي تدليل الأبناء ، ولا يساعد في بناء وتشكيل شخصية قوية ناجحة، لذلك يمعنون في القسوة والشدة، وربما يخفون دموعهم هم انفسهم وهم يمارسون تلك القسوة مع ابنائهم. كأن يضرب الأب أو الأم مثلها طفلها بصورة غير انسانية، ثم تنخرط في البكاء إذا ما انفردت بنفسها أو عندما ينام الطفل وتحدق بعينيها في ملامح وجهه الملائكي. أكاد أري في رسالتك يا عزيزي الألم المتصاعد عبر السنين، كما أري الدموع التي يفيض بها قلبك تأثرا من معاملة والدتك القاسية وممارستها للتمييز ضدك والحقيقة انني آسف لهذا النموذج من البشر الذي لا يراعي الله في أولاده أو في أي كائن حي قدر له ان يكون مسئولا أمام الله عنه اننا نفتقد في كثير من الأحيان إلي تكريس معاني العدالة.. الرحمة.. والإنسانية في تعاملنا مع الاخرين.. فمتي تعلو تلك القيم مجددا وتأخذ مكانها الطبيعي في قلوبنا وعقولنا؟ أما ابنة الحلال الحنون فسوف تجدها حتما.. ولا تجعل تجربة فاشلة في حياتك حاجزا بينك وبين الأخريات.. سوف تجد من تشعر بك وتبادلك حنانا بحنان.. وحبا بحب.. اصبر قليلا وسوف يعوضك الله بإذن الله عن حنان أمك.