تستمر الأزمة المالية الدولية بوتيرة متصاعدة، فيما تحاول الدول الكبرى اتخاذ تدابير إجرائية شاملة بوجه العاصفة الهوجاء، والحقيقة أن هذه العاصفة ليست وليدة فعل مضى عليه عام أو عامان، بل هي نتيجة النتائج الوخيمة لكامل المنظومة المالية والاستثمارية والتجارية الدولية التي أخلّت بميزان العملة وقانونها الأسمى، فإذا كانت العملة كما تُعرّف في الأبجديات الاقتصادية مستودع قيمة، ووسيلة ادخار، ومعيار تبادل، وطريقة ائتمان، فإن هذه المنظومة التعريفية الكلاسيكية تم قذفها بحجارة الأنانية الرأسمالية المتوحشة على مدى عقود من تغوّل الرأسمالية الحديثة التي أسماها ذات يوم بعيد أحد عرّابي الاشتراكية الدولية بوصفها « إمبريالية»، والحق أن هذه الإمبريالية أسفرت عن أكثر وجوهها قبحاً في قلب الرأسمالية الدولية، وكان اليمين الجمهوري المحافظ في الولاياتالمتحدة أكبر ممثلاً أميناً لنظرياتها المدمرة التي تمثلت في الحروب المستعرة، والمطاردة العقيمة لأشباح الظلام التائهة في سديم الافتراضات والمواجهات العقيمة، وأخيراً وليس آخر إنزال نواميس جبرية على بلدان العالم الثالث وتهديد من لا يأخذ بها بالويل والثبور وعظائم الأمور. كشفت هذه الإجراءات الوجه الأكثر قتامة لرأسمالية الأنا المفعمة بالغرور والغطرسة، ومهّدت لحالة الهيجان المجتمعي الدولي القادم من أعطاف المظالم والقهر والفقر والحيرة والإحباطات، وبلورت ملامح عهد دولي يمتلك كل شيء إلا العدل، وبهذا المعنى تحوّلت الأزمة المالية إلى منظومة كاسحة من الأزمات المُربكة التي نراها رؤيا العين في كل مكان، وكان نصيب العرب وأمثالهم من هذه الأزمة ما يتجسّد يومياً هنا وهناك بكفاءة سوداوية مدمرة. ليس أمام العرب وأمثالهم من مخرج سوى العودة إلى جادة الصواب، والبدء عملياً بسياسات انكماش مدروس، والانتصار للقيم المحلية الداخلية إنتاجاً وإعادة إنتاج، وحماية الطبقات الفقيرة المكشوفة ولو باقتسام كعكة الخير المحدودة، فمن الأجدى ألف مرة أن نتخلّى عن بعض عاداتنا الاستهلاكية السيئة من أجل الحفاظ على ما هو أجدى وأبقى، ومن الخطورة أن نتمسّك بنمط استهلاك سيودي بنا إلى غياهب أزمة مجتمعية لا يعلم أبعادها إلا الله.