إن أهم ما ميّز مؤتمر مجلس حقوق الإنسان «ضد العنصرية» هو خطاب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، وهو الخطاب الذي لا يطيق الغرب واسرائيل سماعه، ولذا فقد كان انسحاب ممثلي الدول الغربية رد فعل قصد به أولاً إرضاء اسرائيل، وثانياً ابتزاز الدول العربية والإسلامية في صياغة البيان الختامي للمؤتمر الذي ظهر بالإضافة إلى ضعفه وهشاشته مشوهاً يعكس وجهة النظر الإسرائيلية وحلفائها الغربيين. المؤتمر الذي عقد من أجل مناهضة العنصرية لم يذكر أو يتطرق في بيانه الختامي لعنصرية إسرائيل وللاحتلال ولا إلى حصار غزة ولا ضحايا محارق أمريكا في العراق وأفغانستان.. والمدافعون عن حرية التعبير عندما يشتم رسولنا عليه الصلاة والسلام انسحبوا فور ذكر اسرائيل في خطاب نجاد. وفي نفس السياق قاطع ممثلو الدبلوماسية الغربية في أثيوبيا مأدبة عشاء على شرف الرئيس البشير باعتباره «مجرم حرب»، وهم أنفسهم على استعداد لتقبيل أحذية أولمرت ونتنياهو وباراك.. لقد لجأت الدول الغربية في هذا المؤتمر إلى أساليب رخيصة لابتزاز الدول الإسلامية، ولكن اللوم يقع على المسلمين الذين قدموا تنازلات دون مقابل، فالسلطة الفلسطينية كما قال الوزير الليبي لم تقدم للمؤتمر وجهة نظرها بشأن الاحتلال والحصار والقتل، وبقية المسلمين لا يريدون أن يكونوا فلسطينيين أكثر من السلطة، ولهذا غاب أي ذكر لعنصرية اسرائيل، بينما حظيت «الهولوكوست» بالاهتمام في البيان الختامي.. هذا مع أن معظم الدول الأوروبية قد ضمّنت عقوبات لمن ينكر هذه المحرقة، وقد دفع المفكر البريطاني «دافيد ارفخ» سنة من عمره في سجون النمسا ثم طرد منها لأنه أنكرها، ومن قبله غرمت محكمة فرنسية المفكر العالمي «روجيه جارودي» عشرين ألف دولار لأنه شكك بأرقامها، ثم جاء «البابا» رأس النفاق ليقول.. إن من ينكر المحرقة فهو بمنزلة إنكار وجود الله؟! ستستمر اسرائيل في ابتزاز الغرب مادام الغرب يعادي الإسلام، وقد عزّز هذا العداء وصول الإنجلييين الجدد إلى الحكم في أمريكا بدءاً بريجان وانتهاءً ببوش الابن.. فقد أجبر بكل قوة بوش الأب الأممالمتحدة على إلغاء قرارها رقم «9733» باعتبار الصهيونية حركة عنصرية وقد تم إلغاء القرار بالفعل في سبتمبر 1991م، بحجة أن هذه الحركة هي السبب في قيام وطن قومي لليهود «اسرائيل »، ومع أن هذا العذر أقبح من الذنب فقد صار، وما جرى في مؤتمر العنصرية في جنيف امتداد لتلك الخطط. إن غياب التنسيق الإسلامي واستخدام أوراق الضغط الممكنة هو السبب وراء فشل هذه الدول الإسلامية في المحافل وميادين الجحافل، فالمرارة التي عبر بها المندوب الليبي قد بلغت حلوق كل الذين تهمهم مصلحة هذه الأمة.. فقد شكا من ضعف المشاركة الإسلامية بل ورضي بعض الأطراف بالبيان والتوقيع عليه مع أنه لا يحقق أدنى طموحات الشعوب الإسلامية. ومع كل ذلك فلا يجب اليأس، فخطاب نجاد الذي صفع به ساسة الغرب المنافق قد فضح ولو جزءاً من الحقائق أمام شعوب أوروبا.. وهذا الخطاب رغم تأخره ستين سنة منذ قيام اسرائيل إلى الأمس هو في حد ذاته رسالة لم تجرؤ قيادات عربية على إرساله ولو بطريق الإشارة.. وكلنا يعلم أن الاتفاقيات تمزقها القوة كما تفعل اسرائيل وأمريكا والغرب اليوم بعهودهم المستمرة ووعودهم البراقة والتي لايزال البعض يص دقها كوعود قيام الدولة الفلسطينية التي جاء نتنياهو ليؤكد أنها سراب.. فالعصر عصر القوة والغرب لا يحترم إلا القوي ولا يسمع إلا الصوت القوي الذي يصم الآذان، فهاهو الغرب يبدأ اتصالات مع إيران وسوريا ولم يعد يسمع لحلفائه في المنطقة ولا يلتفت لنصائحهم مع كل الإخلاص له من قبلهم.. فأبشروا معشر المظلومين فمادام الغرب بدأ بالانسحاب من المؤتمر وقاطع الموائد من أجل يهود، فإن ذلك بشارة خير وسيأتي اليوم الذي تتحرر فيه شعوب الغرب من الاحتلال الصهيوني لفكرهم وقرارهم ومقدراتهم المسخرة اليوم للصهاينة.. ولكن كلما واجهنا الصهيونية هناك وفضحناها كلما أسرع يوم الخلاص، أما إذا لم نستغل كل فرصة، خاصة في الجوانب الإعلامية التي تعتبر السلاح الأمضى بيد اليهود، فإننا سوف نظل في أماكننا وسيتجاوزنا العالم، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.