هذا الحراك الانفصالي الذي ما برح المروجون له يتخذون من الحق مدخلاً لتمرير الباطل؛ لابد للوحدويين من التصدي له بقوة قبل أن يصل إلى حد الاستفحال الحامل لكثير من الأخطار.. لأن السكوت عليه والتبرير له من قبل الأغلبية الوحدوية الصامتة بداية الكارثة الوطنية غير القابلة للمعالجة وللتراجع بقدر قليل من الجهد والمال والحزم الممكن، فقد بدأ هذا الحراك بمطالب قانونية ومطالب حقوقية معقولة ومقبولة من ذوي النوايا الحسنة؛ إلا أن الاستجابة لتلك المطالب الحقوقية أكدت أن خلف الأكمة مطالب سياسية وانفصالية بالغة العفونة المستفزة لكل السياسيين الوحدويين الذين حمّلوا الخزانة العامة للدولة مبالغ كبيرة من منطلق الحرص على إضافة تضحية جديدة إلى ما قبلها من التضحيات القديمة. وفي حين ضجت البلد بأولئك الذين اتهموا في نهب الأراضي والاستيلاء عليها بطرق غير قانونية، مطالبين فخامة رئيس الجمهورية بإعادة النظر في هذا النوع من الملكيات غير المشروعة؛ إذ بهؤلاء المتطفلين على السياسة وعلى الديمقراطية يكشفون عما في أنفسهم المريضة من نوايا انفصالية سافرة إلى حد الوقاحة بما تذهب إليه صراحة من استغفال يتخذ من الحق مبرراً لتمرير ما لديها من الباطل الفاسد، وكأنهم قد أقنعوا أنفسهم وأقنعوا من حولهم بشرعية العودة إلى ما هو محرم بالأمس واليوم والغد. إن المدافعين والمروجين لهذا النوع من الفساد السياسي الذي يعتقد أنه قادر على ملء البلاد بهذا النوع من الفوضى والظلم والجور الناتجة عن ديمقراطية الباب المخلوع؛ لن يكون بمقدورهم أن يظهروا بمظهر الإمام الغائب والقادر على استبدال الظلم بالعدل، والفساد بالإصلاح حسب ما تتحدث عنه تلك الأساطير والخرافات المسيحية والشيعية الاثنا عشرية. كيف لا وقد كان الفضلي هو المفسد الأول فيما نهبه من الأراضي، وفيما استولى عليه بالقوة من المباني الخاصة والعامة، وفيما حصل عليه من الدولة من الميزانيات وأشكال الدعم بمبرر الدفاع عن الوحدة، مستغلاً ما لديه من الإرهابيين القاعديين الذين تظاهروا بالاقتناع والعودة إلى ساحة المواطنة الصالحة والهادفة والداعمة لجهود الحكومة في محاربة الإرهاب وتحقيق ما تخطط له وما تحتاجه المعركة التنموية والسياحية والاستثمار من أشكال الأمن والاستقرار؛ وإذا به يتحول فجأة من مناهض للانفصاليين والشيوعيين المارقين إلى الانفصالي الأول الحاقد على الوحدويين والجمهوريين؛ جنوبيين كانوا أو شماليين تحت وهم الاعتقاد بأنه قد شبّ عن الطوق واكتسب من القوة المادية والعسكرية والمعنوية بفعل ما حصل عليه من الدعم اللا محدود ما يجعله فوق كل المقدسات الدستورية والقانونية التي تساعده على إعلان المحافظات الجنوبية إمارة إسلامية سنية بمثابة مأوى للقاعدة؛ مثله في ذلك مثل الفلول الحوثية التي تحلم بتحويل المحافظات الشمالية الزيدية إلى إمارة إسلامية شيعية اثنا عشرية؛ مستغلين الساحة الديمقراطية كمنطلق رخو لتمرير ما لديهم من المخططات التآمرية الهادفة إلى تفتيت الجمهورية اليمنية في هذه المنطقة الحساسة من العالم في ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية صعبة. يعتقدون أن الدولة لن تكون بمستوى القدرة على الدخول في هذا النوع من الصراعات والحروب الداخلية نظراً لانشغالها بالكثير من الالتزامات، ونظراً لما تواجهه من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحوثية من إضعاف لهيبة الدولة وقوتها العسكرية. إن تحريض أبناء الجنوب على أبناء الشمال، وزج البلد في سلسلة من التداعيات الفوضوية، وإشاعة ثقافة الكراهية وما يترتب عليها من الأحقاد الهادفة إلى إيقاظ الفتن النائمة المقلقة لأمن الوطن واستقراره أمور لا ينبغي السكوت عليها بالتماس ما تحتاج إليه من التهاون والاستهانة لكي تكتسب ما هي بحاجة إليه من القوة الشعبية الداعمة نظراً لما تنطوي عليه من مخاطر جسيمة سوف ندفع ثمنها غالياً بصورة تولد لدينا الندم ولكن بعد فوات الأوان إذا استمررنا نتعامل معها بسياسة تفتقد إلى الحزم والحسم خوفاً مما قد يترتب عليها من التدخلات الدولية الخارجية ومن أشكال المساندة والدعم الحزبية المعارضة في ظروف دولية معقدة تنشغل فيها الدول العظمى بما لديها من المشاكل والتحديات الاقتصادية لا تجد لديها الاستعداد لهذا النوع من التدخلات العسكرية والإنسانية كما هو الحال في مواقفها المتخاذلة مما يحدث في الصومال وفي العراق وفي افغانستان، الأمر الذي يوجب على الدولة القيام بمسئولياتها الدستورية والقانونية في حماية السيادة والوحدة الوطنية ومحاربة الأعمال الإرهابية المختلفة استناداً إلى دعم ومساندة الأغلبية الشعبية الوحدوية الرافضة لانفصال الأقلية. لأن الديمقراطية لا تعني الفلتان الأمني، ولا تعني التهاون عن تنفيد القوانين، والتغاضي عن حركات التمرد والعصيان التي تبدأ صغيرة وهزيلة تعاني الضعف لكنها في غياب الحزم والحسم ما تلبث أن تتحول إلى حركات قوية لا تتوقف عند حدود ما تلحقه من ضعف للدولة الديمقراطية المترددة عن استخدام ما لديها من القوة بدافع الخوف من التدخلات الدولية؛ بل قد تتجاوز ذلك إلى السكوت على تمزيق الوطن وتفتيت الشعب واستبدال الدولة اليمنية القوية الديمقراطية الواحدة بالدويلات المناطقية والقبلية والمذهبية الهزيلة والمتناحرة التي تعمل في صناعة الإرهاب وتصديره إلى الدويلات المجاورة كما حدث ويحدث في الصومال. أقول ذلك وأقصد به أن الشعب اليمني الذي وضع ثقته في رئيس الجمهورية وحزبه الحاكم لايزال ينطلق من نفس الثقة ومن نفس القدرة القوية والقادرة بلا جدال على تحدي الأقدار وركوب الأخطار لنصرة الوحدة على الانفصال، والجمهورية على الإمامة، والديمقراطية على الشمولية، وسيادة القانون على الفوضى، وعملية التقدم على التخلف، والعلم على الجهل، والعمل المنتج على البطالة السافرة والمقنعة، في معركة طويلة الجهود فيها مضنية، والتضحيات جسيمة لا يقوى عليها سوى ذلك الرعيل من أبناء الشعب الجمهوريين الوحدويين الديمقراطيين الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب المصلحة الحقيقية في الأرض وما عليها من الثروة، والمستعدين للتضحية بكل ما هو غالٍ ورخيص من الطاقات والإمكانيات الممكنة والمتاحة حتى تزول مثل هذه التحديات الناتجة عن مؤامرات طامعة بما لدينا من الطاقات والموارد الاقتصادية داخلية وخارجية تلتقي على إضعاف اليمن وتدمير وحدته وتقدمه وحرمان الأغلبية من الثروة التي ضاعفت من أهمية الشعب اليمني في موازين الحسابات والمعادلات الدولية.