تمر على البشر أيام من عمر السنين يفعلون كل شيء إلا الصواب، ويقولون كل شيء إلا الحقيقة، وربما يأكلون ما لا يُشبع، ويشربون ما لا يروي.. يتحدثون رغماً عنهم، ويصمتون بقوة العصا.. تهترئ قلوبهم وتتمزق أرواحهم كما تتمزق خرقهم البالية على أجسادهم.. وكما هو واقع الحال.. وكما هي الحياة هنا يتحدث الكبار بصوت أعلى من الصمت الذي يحترفه الصغار.. والحال أن من يجيد فن التحدث لا يجيد فن الاستماع. وهكذا يبقى هؤلاء الصغار صغاراً حتى يبتلعهم الموت وتنتصب على أروقة المقابر أحجار لا تحمل حتى اسماً واحداً تناديه بها رياح الحياة القادمة من سماء العواصف، وحتى هذا الذي يعجُ بالصمت فينا سيكون له مقابر مع الشمع المشتعل نهاراً حين تجد القلوب طريقاً إلى بعضها البعض. سيدي يملّ الكلام حول مائدة الحب .. يخبئ حبي ليهديه أخرى.. يغمض عينيه حتى لا يرى ما يشعل يديه اللتين ملّتا وصلي. وسيدتي تبحث عن شريك تعطيه أغلى ما يُعطى دون أن ينسج حولها ترانيم الفحولة في رداء أغنيات المواسم.. وماذا بعد؟!.. لكل شيء في هذه الدنيا وطن.. حتى عقل الحب.. لا يسكن إلا في قلب.. سمعت كثيراً وقرأت أكثر، ولم أجد إلى الآن رجلاًً يجيد فن الحياة المشروطة.. أو امرأة واحدة تستسلم للموت المحتم.. كلاهما لم يكتبا على جدران قلبيهما «إننا بشر». لو أن رجلاً ترك خلفه المدائن والدور والنساء ليعود إلى تربة الروح ونهر الجسد؛ فلن تهدم صوامع أو معابد أو مساجد وإنما تعود الحياة إلى جذور نائمة خلف الرغبات يغطيها العفاف. ولو أن امرأة صنعت من ليلها متكأً على صدر الحب؛ تخبئ مواويل ذراتها داخل صندوق العشق حتى تفتح الأبواب المغلقة، فلماذا الخيانة، ما طعم العلقم المغموس بماء الخوف والرهبة؟! ما لون الهوى في أحضان الرعب..؟! ما شكل سماء الليل تحت قبة الأمنيات؟! أين رفيف الروح من إزهاق رواء الروح؟!. أين اللذة في وأد دبيب الحب على أركان العرش الخالي من الرحمة؟! لِمَ ترضون أن تصب حول غرائزكم رحم الخطيئة، لِمَ الدوران حول أرض بور ولكم جنات ودور ؟!.. ما أقسى أن تصنعنا الأيام وتغيّرنا الأحداث ويغرس فينا الجهل بذرة اللؤم والجحود! لِمَ لا نجعل من السفر عن أوطاننا سفراً عن أرواحنا، فنترك بقعة الأرض والجسد لنصبح في قمة العطاء الذي لا ينتظر المقابل.. نسير مع الأيام حيث سارت، ثم إذا وصلت بنا قوافل الأيام استرحنا على واحة الروح وارتوينا!. لكن ليس كما ترتوي الدواب؛ لأننا لم نخلق لما خُلقت له الدواب، فنحن نمشي على اثنتين لا على أربع، ونحمل أثقالاً لكن داخل رؤوسنا لا على ظهورنا.. ونستطيع أن نصبح كباراً متى أردنا ذلك. إذن فلِمَ نُسقط إنسانيتنا أرضاً ونبقى بلا فضيلة.؟ أيها الرجال والنساء الذين يتنازلون عن إنسانيتهم لرياح الغفران.. أقول لكم: عواصف الأرض لا تعرف الرحمة؛ تقتلع ما ينتصب في طريقها، ولو كان أنتم، لا تنتظرون زخات الهوى أن تغمركم بالرماد.. ليس بين المارين هنا رجل وامرأة إلا قد سرقت منه السنون شيئاً ثميناً وساومته الحياة على ما هو أثمن.. لكن يبقى إيماننا بأننا بشر أقوى من إحساسنا باستحالة الوقوف من جديد بين يدي الفرح.. فابقوا على مقاعدكم التي تسيرّونها أنتم قبل أن يأتي اليوم الذي تصبح المقاعد هي صاحبة القرار الأخير. لا تعبثوا كثيراً بمكابح الكبرياء لديكم حتى لا يتكئ على مساحات الكرامة فيكم كل عائد وغادٍ.. وحتى لا تملّوا النظر إلى ذواتكم العارية فتقتل العيون ما أحيته فيكم البصيرة.. ودمتم مع ذويكم بخير.