لن أنبري من هنا مدافعاً عن الحرية، التي يتباكى اليوم عدد من الزملاء على أن السلطة ممثلة بوزارة الإعلام قد سفحت دمها وهتكت عرضها وأدمت خاصرتها. ولن أدعي وصلاً بوزارة الإعلام أو بمن يمثلها لأدافع عن قرارها المتضمن إيقاف أو إعلان الحجز الإداري عن بعض الصحف المستقلة، التي اختلط عليها الحابل بالنابل، وذهبت تحت مفهوم حرية بلا ضوابط أو «حرية سقفها السماء» تمارس الصحافة بعد أن نزعت عنها المسئولية.. ونسيت أو تناست أن هناك قوانين تحكم مسارها واتجاهاتها.. وأسقطت من قاموسها احترام الثوابت الوطنية ومراعاة المصلحة العليا للوطن. إن الحرية التي نتحدث عنها اليوم.. والتي ينبغي أن نقف عليها بتعقل بعيداً عن العصبية هي وكما قالت الدكتورة رؤوفة حسن «حق للناس ولوسائل الإعلام شريطة عدم التحريف والمبالغة والتخويف وتأليب الناس بعضهم على بعض».. والحرية هي أيضاً وكما يقول الأستاذ أحمد الشرعبي: أغلى قيمة في الوجود، كما هي أهم علامة لمعنى الحياة ودلالاتها.. وتستمد ألقها من وعي الإنسان بماهيتها وتعامله معها كمنظومة متكاملة من الحقوق والواجبات. والصحافة التي تمارس عملها تحت سقف الحرية موضوع الحديث تعني - في الأول وقبل أي شيء آخر - احترام القانون المسير والمنظم لعملها بكافة مواده ونصوصه وعدم تجاوزها.. والتي بموجبه تم منح كل وسائل الإعلام المقروءة تراخيص بمزاولة العمل الصحفي وبدء تداولها بين الناس. إن للحرية مفاهيم وتعاريف عدة، وفي مجملها لاتخرج عن المسئولية، ولا تتعدى قيم وعادات وتقاليد الشعوب أياً كان لغتها أو لون بشرتها.. فمابالنا في مجتمعنا الذي تحكمه قيم دينية، والتي تؤكد جميعها على الحب والتسامح والاعتدال وتنبذ بث روح الشقاق والتفرقة بين الناس، وتدعو إلى عدم إثارة النعرات القبلية والقروية والطائفية والمناطقية والعصبية، وكما قال رسولنا الأعظم: «ليس منا من دعا إلى عصبية».. الحرية مسئولية، ومن وجهة نظري التي قد لاترقى أو لا تعجب عديد زملاء وزميلات ذهبوا مدافعين عن صحفهم، ومتابعتي لمانشر عبرها من مقالات فإن فيها تحريض واضح ضد السلطة وإثارة المناطقية والكراهية بين أبناء الوطن الواحد، وهي الحقيقة المرة التي يبدو أن الزملاء القائمين على الصحف التي حجزت إدارياً بموجب القانون لايقرأون مايسطر في إطارها.. ومقالات البعض الآتية من خارج الحدود والتي يتسابق الجميع لنشرها أكبر دليل على مانقول، إضافة إلى مقالات البعض الآخر من دعاة الحرية المطلقة في الداخل الوطني التي لايمكن القبول بها في إطار مجتمعنا الذي تحكمه القيم الدينية أكثر من أية قيم أخرى مستوردة.. وبعيداً عن روح القانون المجني عليه والضائع وسط تأوهات الحرية التي لم نعد نعرف ماذا تعني أو ماالمراد من ورائها !!.. اتهام وزارة الإعلام بالانقلاب على ماتبقى من الهامش الديمقراطي والعودة بالحريات الصحفية إلى ماقبل الوحدة ليست بطولة.. كما أن اللجوء للعب بالمفردات والهروب من الرضوخ للقانون في الوقت الذي نطالب فيه جميعنا بالتطبيق الصارم للقانون دون استثناءات والبدء في بناء الدولة المدنية الحديثة دولة النظام والقانون مغالطات ليس أكثر.. لقد أصبح القانون متهماً وسط هذا التآلب الرافض لنصوصه من قبل من تضررت مصالحهم من القانون.. وأصبحت الكلمة مجزأة المعنى ومشتتة الأحرف ولاتستقيم مطلقاً مع القيم المجتمعية التي نحرص جميعاً على عدم تجاوزها. يقيناً لست ضد الصحف المحجوز عليها إدارياً أو ضد الزملاء الذين نحترمهم جميعاً، ولكن ليبق القانون هو الفيصل.. وفي المقابل فإن الديمقراطية والتي تعد الحرية أداة من أدواتها لها مثلها ولها قيمها التي تسمو بالفرد فوق المصالح الضيقة.