كلنا يعلم أن هذا العصر هو عصر تدريب الإنسان وتأهيله قبل أن يسمح له بتأدية مهنته أو وظيفته أو حرفته، وهذا التدريب أو التأهيل يشمل كل النواحي التقنية أو الميكانيكية والسلوكية والأخلاقية التي يجب أن تشمل ذوق الإنسان ومزاجه وشخصيته وأسلوبه في التعامل مع الآخرين.. هذا هو حال العالم اليوم. حال العالم من حولنا كما يبدو يختلف تماماً عن أحوالنا..!! فمن ذا يصدق أنه ليس لشركات الباصات النقل البري ولا النقل الداخلي أية فكرة عن أهمية إعداد السائقين أخلاقياً وسلوكياً لتنمية قدراتهم الشخصية والسلوكية للتعامل مع ركاب الحافلات من الباصات وغيرها من «الدبابات والتاكسات» من يصدق أن سائق الحافلة بين المدن يعتبر نفسه مطلق اليد في أن يتوقف حيث يشاء وينطلق متى شاء.. هو يريد أن يتوقف لتناول وجبة «الصبوح» أو «الغداء» أو «العشاء» فليتوقف وإذا أراد أن يتوقف لشراء القات في مكان سوق القات فليتوقف لأنه سيجد دائماً من يسنده ومن يوافق مزاجهم مزاجه، فليبقى هنا أو هناك كيفما أراد هو ومن يتفق مزاجهم مع مزاجه.. كل هذا يمكن التغاضي عنه وتحمله على مضض، فنحن على سفر والواجب أن يتحمل بعضنا طيش ونزق البعض الآخر أو حتى قلة ذوقهم ورداءة سلوكياتهم.. والله مع الصابرين. لكن الذي يصعب تحمله هو أن يفرض السائق ومساعده على المسافرين أفلاماً ومسلسلات لا تخدم الأخلاق، بل هي فعلاً تسيء للأخلاق والذوق الرفيع، هناك من السائقين ومساعديهم من يعاني سوء التوجيه وسوء الإعداد والتأهيل، لأنهم أثناء الاختبار والاختيار لم يطلب منهم سوى بطاقة رخصة قيادة حافلة كبيرة طويلة وعريضة وكذا وكذا.. أما أن يطلب منهم شهادة في أنه قد تم تأهيلهم سلوكياً وأخلاقياً وثقافياً، فتلك أمور ليست مطلوبة ولا معهودة ولا خطرت على بال أحد.. لذلك فإنه لا عجب إذا وجد المسافر على الحافلات المتجهة إلى أية محافظة أن حافلته التي يستقلها قد تحولت إلى ملهى أو مرقص متحرك تتمايل فيها الأجساد العارية في الأفلام والمسلسلات العربية والهندية.. وقد كان بالإمكان جداً أن تتحول الحافلة إلى دار توعية وإرشاد وتوجيه يستفيد منه المسافرون كيف يتعاملون مع «دوار» الحركة كيف يتعاملون مع حركة البطن إذا تحركت ومع حركة الأنف إذا انتابته نوبة عطاس.. كان بالإمكان للحافلة أن تتحول إلى دار تعظم فيه الأخلاق والاستقامة والاجتهاد والبذل والعطاء والعمل الطوعي.. وليست مجرد صالة لتهريج وطلب الفيلم الفلاني والمسلسل الفلاني.. ليست هناك مشكلة في إرضاء الناس.. لكن المشكلة تكمن في غياب البرنامج أو المنهج الذي يستشعر المسئولية في المشاركة في توعية الناس وزرع القيم والسلوكيات الحميدة.. في الواقع أنا لا أرى مشكلة وإنما أرى قصوراً في فهم واجباتنا تجاه الآخر.. إن أصحاب الحافلات يظنون أن عليهم فقط مسئولية تربية أبنائهم وبناتهم وزوجاتهم في المنزل عليهم فقط أن يحافظوا على أفراد أسرتهم.. فالبرامج التي تبثها الفضائيات لا توجه شبابنا نحو الفضيلة بقدر ماتشدهم نحو الرذيلة.. لذلك فإننا نجد الكثيرين من الآباء والأمهات لا يسمحون بالانفلات في بيوتهم وإن كان هناك منفلتون قد فقدوا كل نخوة في مجال العرض، فليسوا أهلاً أن يركن عليهم ليس فقط في عرض أفلام ومسلسلات في حافلات «باصات» النقل بين المدن وإنما أمثال هؤلاء لا يركن عليهم حتى في تربية أبنائهم وبناتهم.. وفي المنزل نفسه وإذا كان سائق الحافلة أو مساعده من الصنف المنفلت في التعامل مع ركابهما بحيث يخضعون لنظام «مايطلبه المستمعون» فأين أصحاب الشأن، أين المالك لهذه الحافلة أو تلك؟ ألا يستطيع مالك المركبة أن يكون له دور في التربية والتوجيه والإرشاد؟ ألا يستطيع من يملكون الحافلات أن يكون لهم دور في إرضاء الله في تأسيس تجارة قائمة على الفضيلة في توجيه الشباب أثناء سفرهم وذلك من خلال عرض مواد تجمع بين التسلية وحب الله وحب الوطن وتجمع بين المتعة ومعرفة الواجب وبين الضحك والخشوع لله ثم طاعة الوالدين هل ينقص الشباب أو عامة الناس «الانفلات» لكي تعرض عليهم مجدداً ومكرراً مسرحية «مدرسة المشاغبين» ماذا يستفيد شبابنا من مشاهدة أفلام هندية أو عربية خليعة؟! لا تزودهم بفكرة سامية ولا بمعاني فاضلة ولا تجعلهم أكثر شجاعة ولا أكثر رغبة في التعلم ولا تجعلهم يندمون على الأوقات التي يضيعونها هدراً.. بل تزيدهم رهقاً وتنقصهم مروءة وتفقدهم صواباً وتعرضهم للفتنة وتلغي من عقولهم وسلوكياتهم كل حكمة!!! هل يمكن أن يصل التنافس بين أصحاب الحافلات الباصات بحيث لا يفكرون إلا بعدد الركاب يرضونهم بكل الوسائل؟ حتى وإن كانت وسائل مدمرة للأخلاق؟ ألا يستشعر البعض وليس الكل الخوف من الله إذا هم تخلوا عن واجباتهم التربوية تجاه المجتمع - أقول البعض وليس الكل - لأن هناك من أصحاب الباصات من قد ألزموا أنفسهم أن يكون لهم دور فاعل في تربية الشباب وتوجيه المجتمع بما يكفل أو يضمن أن يستفيد الإنسان خصوصاً الشباب والفتيات من سفرهم على الباص.. لكن هناك مع الأسف من يفهم الحرية فهماً خاطئاً، كما لو كانت تعني الانفلات والمتعة الرخيصة وتشويه الفضيلة ونشر مبادئ الرذيلة والانحراف.. فهل هناك رقابة على ميول وأخلاق السائقين للباصات في النقل البري؟ أم أنهم أحرار في تلويث عقول المسافرين معهم إن هم أرادوا ذلك؟!