إلى وقت قريب، كان المجتمع الدولي يتطلع إلى خطوات جادة يقدم عليها الرئيس الأمريكي باراك أوباما يحدد فيها معالم ايجابية جديدة للسياسة الخارجية الأمريكية حيال الأمة العربية والاسلامية، وعلى وجه الخصوص الشرق الأوسط والصراع العربي - الاسرائيلي. وبالأمس، وفي ظهيرة يوم الخميس الماضي خطا أوباما أولى تلك الخطوات المرتقبة عندما وجه خطابه إلى العالم الاسلامي من العاصمة المصرية «القاهرة» ليقول في مستهله، وبلغة جديدة: «نسعى لبداية جديدة بين أمريكا والعالم الاسلامي مبنية على الاحترام»، وأردف بالقول: «الشراكة بين أمريكا والعالم الاسلامي يجب أن تبنى على صورة صحيحة للاسلام». وضمَّن خطابه هذا أفكاراً وتصورات ومواقف يمكن لها، لو وجدت طريقها إلى التنفيذ، أن تحسّن من صورة أمريكا في نظر أبناء الأمة العربية والاسلامية، وأن تبدد الصورة القائمة البشعة التي صبغها «بوش» على أمريكا نتاج سياساته المتهورة، وحروبه الخاسرة، وانحيازه الأعمى لاسرائيل، ودعمه للارهاب الذي تمارسه ضد الشعب الفلسطيني، وفي ذات الوقت ولعه المتهور بشعار«الحرب على الارهاب». وقد حمل خطاب أوباما تصوراً جديداً مغايراً لمشروع سلفه «بوش» في ما يتعلق بسياسة أمريكا تجاه الشرق الأوسط، أشار إليه بقوله: «لايمكن فرض نظام معين، أو حكم معين على أي دولة، وأمريكا لايفترض بها أن تعرف كل ماتريده الشعوب». فلو صح ما يعنيه أوباما بهذه المقولة، فإنه يؤكد لنا تراجعه المحمود عن مشروع ادارة بوش السابقة السيء الصيت والموسوم ب«مشروع الشرق الأوسط الجديد».. أو كما يفسره المحللون ب«فرض الديمقراطية من الخارج» وهذا المشروع سيء الصيت الذي أعلنه بوش مطلع العام 2004م، كان قد استمرأه بعد أحداث «11» سبتمبر ليجربه عملياً في فلسطين عند إقدامه دون حياء أو تردد التوقيع على قرار «الكونغرس» الأمريكي الناص على أن تكون «القدس» عاصمة لاسرائيل، على الرغم من وجوده في الكونغرس منذ فترة طويلة إلا أن أحداً من الرؤساء الأمريكيين لم يجرؤ بالاقدام على هذه الخطوة. ويفهم من هذا أن «بوش» بإقدامه التوقيع على هذا القرار، بحسب أ.صالح القاضي«وقع في سابقة لم تحدث من قبل، وهي أن دولة تحدد العاصمة لدولة أخرى» «انظر قضايا سياسية ط أولى ص58». وكما أسلفنا فإن مقولة أوباما تعتبر رفضاً لهذا المشروع الأمريكي السابق وإذا صدقت النوايا فإنها بلاشك ستؤدي إلى تحسين العلاقات العربية والاسلامية بالادارة الأمريكية، لكون قاسمها المشترك هو وقف التدخل الأمريكي لفرض نظام حكم معين، أو تغيير حكومات بالقوة في منطقة الشرق الأوسط والعالم الاسلامي. وإذا كانت تداعيات وردود الأفعال العربية والاسلامية تجاه ذلك الخطاب قد أجمعت في معظمها على الاستحسان والتفاؤل، فإن أوباما سيواجه بلاشك تحدياً شرساً من قبل صقور الادارة الأمريكية المرتبطين باللوبي الصهيوني، وفي مقدمة هذه التحديات إقدامه على تحجيم التعديات والتدخلات السافرة في شئون الدول والأنظمة في العالم الاسلامي، والتي تصلنا غالباً على شاكلة تقارير للخارجية الأمريكية، أو تصريحات لسفرائها وغير ذلك، مما يثير حالة قلق في أوساط الدول العربية الاسلامية، وينعش مخيلة قوى المعارضة في الداخل وأوهام معارضة الخارج لهذه الأنظمة الحاكمة، وقد عانينا في السابق الأمرّين من جراء سياسة «بوش» المتهورة.