تؤكد الأحداث والتداعيات التي تعصف بالمنطقة العربية.. والتحديات التي تسود أفق المرحلة، تؤكد أن هذه الأمة لن يصلح لها حاضر أو مستقبل طالما بقيت بعيدة عن منطقة التضامن وقانون الوجود المشترك. وطالما ظلت تعيش في جزر متناثرة معزولة عن ذاتها ومحيطها ووجودها الواحد. من سوء حظ دول المنطقة العربية أن العالم لم يعد مكاناً مناسباً للضعفاء ولا يرحم من لا يرحم نفسه، سيفهم العرب ولا بد يوماً ما عاجلاً أم آجلاً أن وجودهم الواحد هو الهوية الوحيدة التي يعترف بها العالم وتمكنهم من العيش بعيداً عن عوامل الاندثار والانقراض الحضاري، إلى ذلك الحين ستظل المنطقة العربية محكوماً عليها بالذل والهوان ومجابهة كل صنوف التعسف والإذلال وانتهاك الحرمات وإزهاق الحياة والعيش الآمن. الصمت العربي المطبق حيال الهجمة الشرسة التي تنفذها آلة الحرب والعدوان الصهيوني في فلسطين ، ما هو إلا إعلان جنائزي بائس عن حجم الخذلان والهوان الذي آل إليه العرب وأغرى بهم الأباعد والأقارب، والخمود المخيم على سماء وأراضي العرب بات ماركة مسجلة باسمنا وحدنا.. نحن أصحاب الامتياز الحصري في التلبس بالهزيمة وتعبدها، ونحن الذين غادرنا الحياة إلى موت لا يضمه قبر ولا يتضمنه برزخ. شعوب تعيش لاهثة وراء الحدود. وما أكثرها، من المحيط الهامد إلى الخليج الخامد.. وحكومات مزقتها يد الخلافات وخطوب المراحل والسنوات العجاف، لم يعد أحد يتحدث عن «التضامن العربي»، بات هذا «التضامن العربي» لعنة أو شيطاناً أو رجساً من خرافات الجِنّة والناس! لا يمكنك أن تذكر شيئاً عن التضامن إلا ونعتك «العقلاء» بالجنون.. سيقولون عنك ما لم يقله مالك في الخمرة.. وسيظهر ألف «حداثي» و«ليبرالي» و«أمريكي» ليسخر منك ويجرّعك مر الهزيمة والهوان. بات العصر ألعن مما نتصور.. ونحن وحدنا نسينا أن «كرة القدم» ليست هي المشروع الحضاري الذي تستحقه الأمم، نسينا أن «الرقص الشرقي» لا يصنع مجداً، وأن أغاني الهباب والفيديو كليب واجتماعات القمم العربية الميتة، كلها ليست في نظر التاريخ والعالم أكثر من عورة يحسن غض الطرف عنها وأمامها. حتى المثقفون العرب ولدينا منهم كثير باتوا دعاة هزيمة وانخذال وانسحاق لصالح الاستعمار الجديد، والمشروع الوافد، والسوبرمان القادم من وراء البحار، فمتى يستيقظ فينا العربي المؤمن بالنصر؟! تعربد آلة الهمجية الصهيونية في الخارطة العربية كيفما عن لها السكر ودعتها الأبلسة.. ولا يقوى العرب حتى على التأفف أو الامتغاض. كان التنديد والشجب موقفاً عربياً أثيراً، واليوم لم يعد العرب بقادرين حتى على الاستنكار وقول «آآح»، بل صار «الأذكياء الأغبياء» يتندرون ويسخرون إن ارتفع صوت عروبي واحد يؤذن بالتضامن ويدعو إلى صلاة الوحدة والاتحاد وسط هذا الركام الهائل من الهزيمة والخذلان المبين. متى يعود العرب إلى عروبتهم؟ ومتى يكتشف العرب أن «الذل» ليس خبزاً وحيداً للحياة؟! متى.. ياأيها الموتى؟