في خطابه الذي ألقاه في جامعة القاهرة قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما: إن العلاقة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والعالم الإسلامي يشوبها التوتر، وهو توتر تمتد جذوره إلى قوى تاريخية تتجاوز أي نقاش سياسي راهن.. شملت هذه العلاقة صراعات وحروب دينية...إلخ. إن إعادة التوتر في العلاقة بين العالم الإسلامي وأمريكا إلى جذور تاريخية هو امتداد لفكر الرئيس الأمريكي سيىء الصيت جورج بوش الذي جعل من احتلال العراق وتدمير أفغانستان امتداداً للحروب الصليبية الإسلامية وإعطاء تلك الحروب بعداً دينياً يتناقض وادعاء أوباما من أنه يحمل رؤية للتغيير. العالم الإسلامي كان يتطلع لأن تلعب أمريكا دوراً مناهضاً للسياسة الاستعمارية التي انتهجتها بريطانيا وفرنسا تجاه العالم الإسلامي في حقبة الاستعمار، لأنها كانت واحدة من الدول التي عانت من الاستعمار إلا أنها اختارت الانحياز للظلم والقهر وأيدت ودعمت إقامة دولة صهيونية على أرض عربية وطرد سكانها الأصليين من العرب الفلسطينيين واستبدالهم بمهاجرين يهود ثم تجميعهم من بلدانهم الأصلية من مختلف دول العالم تنفيذاً لوعد قطعته الامبراطورية البريطانية لهؤلاء اليهود «وعد بلفور» فجاءت أمريكا لاستكمال المخطط الاستعماري الذي استهدف الأمة العربية والإسلامية ووفرت الحماية الكاملة قانونياً وعسكرياً للكيان الصهيوني فاستخدمت حق النقض (الفيتو) ضد القرارات التي تدين وتجرم إسرائيل على الجرائم الوحشية التي ارتكبتها ضد الفلسطينيين والعرب وهو ما يتناقض وما تدعيه أمريكا من أنها دولة المبادئ والقيم.. ومحاولة أمريكا إعلاء الدولة الصهيونية فوق غيرهم من البشر تتناقض وما قاله أوباما في كلمته حيث يقول: «أي نظام عالمي يعلي شعباً أو مجموعة من البشر فوق غيرهم سوف يبووء بالفشل لا محالة». إن مقارنة ما حدث لليهود في الحرب العالمية الثانية بما يرتكبه الصهاينة ضد الفلسطينيين هي مقارنة ظالمة وتبرير ظالم، لأن الفلسطينيين لم تكن لهم يد في ما اقترفه الأوروبيون النازيون بحق اليهود.. فهل يتم تعويض اليهود بدماء الفلسطينيين الأبرياء ومنحهم أرضاً فلسطينية ليثبت الغرب للعالم أنه يكفر عما ارتكبوه في حق اليهود.. إنها معادلة مختلة التوازن تعالج الظلم بظلم أكبر. الحديث عن السلام في الشرق الأوسط يبقى حديثاً ممجوجاً ومكرراً إذا لم يتحول إلى خطوات عملية وتترجم خلال قرارات الشرعية الدولية «491-242....إلخ» إلى حلول حقيقية تحفظ للشعب الفلسطيني حقوقه كاملة.. وإستمرار السياسة الأمريكية على نهجها القائم على جلد الضحية وإطلاق يد الجاني لارتكاب جرائمه هو إعاقة لأية جهود لتحقيق السلام. حسب استطلاع للرأي العام الذي أجري مؤخراً في الولاياتالمتحدةالأمريكية فإن أغلب الأمريكيين يؤيدون الضغط على إسرائيل لتسهيل إقامة دولة فلسطينية، فالكلام الذي قاله أوباما في خطابه لن يعدو أكثر من بيع للماء في حارة السقائين إذا لم يترجم إلى أعمال حقيقية تمارس فيه الإدارة الأمريكية ضغطاً حقيقياً وليس وهمياً على إسرائيل، فقد كشفت المواقف كيف تمارس الإدارة الأمريكية السياسة الملتوية ولعب الأوراق من تحت الطاولة، فالإسرائيليون مستمرون في بناء المستوطنات ويخالفون مبادئ خارطة الطريق تحت ذريعة أن هناك تفاهمات حول هذا الموضوع مع الإدارة الأمريكية السابقة وهو ما يفقد السياسة الأمريكية المصداقية والوضوح. لم يتطرق أوباما للحوار السوري - الإسرائيلي في خطابه وهو ما يعني أن السياسة الأمريكية ما زالت تلعب بأوراق للضغط والمناورة ولا توجد أية نوايا حقيقية لحل قضية الشرق الأوسط ،فورقة القضية الفلسطينية أصبحت كرتاً للوصول إلى اتفاقيات وصفقات مع الإيرانيين وهو ما يجب على دول الاعتدال تداركه حتى لا تقدم مزيداً من التنازلات المضرة بالقضية الفلسطينية. أوباما ذكّرنا أن الرئيس الأمريكي الثاني «جون دامس عام 1796م» قام بالتوقيع على معاهدة طرابلس التي نصت على «أن الولاياتالمتحدة لا تُكنُّ أي نوع من العداوة تجاه قوانين أو ديانة المسلمين أو حتى راحتهم» فإلى أي مدى التزمت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بهذه المعاهدة؟ التاريخ وأحداثه تؤكد أن العالم العربي والإسلامي وقع تحت مرمى النيران الأمريكية وتحت ضغط السياسة الأمريكية التي صادرت الحقوق العربية لصالح قوى الهيمنة والغطرسة في العالم. ومع إدانتنا جميعاً لأعمال القتل التي تستهدف الأبرياء لأن ذلك ليس من الإسلام ولا يمكن أن يكون من تعاليمه، فإن تلميح أوباما أن أحداث «11» سبتمبر جعلت البعض من الأمريكان يعتبرون الإسلام ليس معادياً فقط لأمريكا وللبلدان الغربية وإنما أيضاً لحقوق الإنسان وأن ذلك يتعارض مع مبادئ أمريكا في الدفاع عن حقوق الإنسان.. فأية حقوق إنسان تدافع عنها امريكا وهي من تنحاز لصف الممارسات الصهيونية ضد شعب أعزل وتأييدها لعمليات الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين..؟ إنها ثقافة التمييز في حقوق الإنسان والكيل بمكيالين في تحديد هذه الحقوق، إننا كمسلمين نؤمن أن الحق الإنساني واحد لايختلف هذا الحق باختلاف لون أو دين أو عرق هذا الإنسان، وقتل الأبرياء حرام في شريعتنا سواءً كان هذا الإنسان البريء مسيحياً أو يهودياً أو مسلماً. ولم يتذكر أوباما أن القاعدة ومافعلته بأمريكا في «11» سبتمبر أنها صنيعة المخابرات الأمريكية إبان الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي وامريكا وأن الكراهية التي تحدث عنها هي صناعة امريكية بامتياز تغذيها السياسة الأمريكية في المنطقة المنحازة لإسرائيل. البداية الجديدة التي جاء أوباما للبحث عنها بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والعالم الإسلامي تتطلب إعادة صياغة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط والانحياز المطلق لما تسميه المبادئ الأمريكية في مجال حقوق الإنسان دون تمييز والتنفيذ الكامل لقرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية وسحب القوات الأمريكية من العراقوأفغانستان. الشراكة مع العالم الإسلامي يجب أن تستند إلى الحق والعدل، حق الشعوب الإسلامية في اختيار أنظمتها وطريقة حكمها دون تدخل من قوى الهيمنة والغطرسة في فرض نهجها الذي يخدم مصالحها على حساب مصالح الشعوب الإسلامية.. والعدل في تنفيذ القرارات الدولية دون انتقاء أو انحياز ضد العالم الإسلامي لصالح خصومه.. أوباما أراد إيصال رسالة للعالم الإسلامي أنه رجل التغيير.. فهل يتمكن من الوفاء بتعهداته أم أن مصيره سيؤول إلى النهاية التي قضت على حياة كنيدي على أيدي اللوبي الصهيوني؟.