انتهت أمس أعمال المؤتمرات الفرعية للمجالس المحلية وسط إجماع وطني على ضرورة سرعة تعديل القوانين التي تتعارض مع قانون السلطة المحلية وتعميق الانتقال إلى نظام الحكم المحلي والتخلص من المركزية الحادة.. أجمعت كل المؤتمرات الفرعية على ضرورة التوجه الجاد والمسؤول نحو اللامركزية المالية والإدارية ومنح السلطات المحلية بالمحافظات صلاحيات واسعة وكاملة لإدارة شؤون المحافظات والتفرغ للعمل التنموي ومواجهة مجمل الاختلالات التي تقف أمام إعلاء شأن النظام والقانون بصدقية مطلقة، وأمام تنفيذ مجمل المشاريع التنموية التي تتعثر معظمها نتيجة التدخلات غير القانونية في مسارها من قبل أشخاص نافذين لايروق لهم تنفيذها أو نتيجة الممارسات المطبوعة بالفساد في عدد من الهيئات والمؤسسات المركزية.. ولا أستثني المحلية أيضاً.. إدارة الشأن المحلي الكامل من قبل السلطات المحلية أصبح قاب قوسين أو أدنى من التطبيق.. ولكن هناك إجراءات ينبغي اتخاذها والتأكيد عليها ليأتي هذا الانتقال إلى الحكم المحلي واسع أو كامل الصلاحيات متسماً بالقوة ومتخذاً في الاعتبار أن الحكم المحلي ليس نزهة أو تجربة يمكن خوضها بقليل من الخبرة والدراية، وكثير من الطموح غير المخطط والمدروس بجدية ومسؤولية.. نحن أمام توجه مستقبلي، بل نظام حكم محلي حقيقي يهدف ليس إلى إدارة الشأن المحلي كإدارة وحسب ولكن إلى إنهاء كل الاختلالات والأخطاء القائمة التي أسهمت إلى حد كبير في بروز السلبيات والظواهر السيئة على حساب القانون وآمال وطموحات أبناء الشعب.. وبالتالي تسيدها في الحياة العامة.. الهدف من الحكم المحلي هو التوجه الجاد نحو بناء الدولة المدنية الحديثة المحكومة بالأنظمة والقوانين وإعلاء الرقابة المؤسساتية وتفعيلها وإنهاء الفساد بأشكاله وأنواعه ومسمياته كافة، والابتعاد عن المجاملات والمحسوبيات والوساطات التي طغت على مفردات القانون والنظام المؤسساتي عامة.. وأضرت بشريحة كبيرة وواسعة من أبناء المجتمعات المحلية.. الزميل الأستاذ عبدالله الصعفاني نبه في عموده «نقطة وفاصلة» يوم الأربعاء الماضي إلى أن الانتقال إلى الحكم المحلي يحتاج إلى تعديلات في سلسلة من القوانين النافذة بما يمنع أي تضارب يفرضه حجم النقلة ويؤكد القراءة الصحيحة للأمور.. وقال:«مخاوف كثيرة تفرض التفكير الاستباقي في ألاّ تأخذ الفكرة الخاصة بالحكم المحلي واسع أو كامل الصلاحيات طريقها إلى التنفيذ إلا بعد أن يتم إقرار القوانين النافذة التي تجعل من الحكم المحلي مغرماً وليس مغنماً لمن يحدون أسنانهم من الآن لفواصل جديدة من العبث».. ومن هنا يتجلى التأكيد على أن المطالب الكثيرة التي تحث على السير أو على التطبيق السريع للحكم المحلي قبل أن يتم إقرار التعديلات القانونية المطلوبة ووضع الآليات المناسبة الكفيلة بعدم العودة إلى الخلف يعد شيئاً من المجازفة التي لانقبلها بل هي العشوائية بذاتها.. جميعنا مع الانتقال إلى الحكم المحلي واسع أو كامل الصلاحيات، لكن هناك وإلى جانب القوانين النافذة المطلوب تعديلها عدداً من الاعتبارات التي ينبغي الوقوف عليها بمسؤولية والخروج برؤى تؤكد بالمطلق محاربة كل الاختلالات البارزة وإنهاءها كلياً والاحتكام لمفردات النظام والقانون ماعداها من اعتبارات فوضوية وتخريبية عموماً.. الحكم المحلي ليس تجربة كما قلنا ونحترم كل الأصوات التي ارتفعت في أعمال المؤتمرات الفرعية للمحليات وطالبت بالانتقال الفوري للحكم المحلي.. ولكن تبقى مصلحة أبناء الشعب في التهيئة والإعداد المسبقين للانتقال إلى هذا النظام وإنهاء كل الإشكالات الواقعة والمتوقعة من تطبيقه.. ومانأمله أخيراً أن يؤكد المؤتمر العام الخامس للمجالس المحلية المرتقب هذه الحقائق بما يصب في إطار مصلحة الشعب والمصلحة الوطنية العليا.. وألاّ تكون مقرراته وتوصياته بعيدة عن الهم الشعبي وعن وضع الحلول الجادة والمسؤولة لمجمل الإشكالات القائمة، والتي على ضوئها سيتم الانتقال تلقائياً إلى نظام الحكم المحلي الواسع.. ويقيناً فإن الإعداد الجيد ووضع المعالجات المسبقة هما أساس نظام الحكم المحلي، وبدون ذلك فإن حياتنا ستظل موصوفة بالتجارب.. وسنظل ندور معها في حلقة مفرغة..