«على الريق» أحياناً «نصطبح» على أخبار وأنباء منكدة وتناولات مدسوسة تعتسف الحقائق وتزور الوقائع وتذم - بإسفاف بلا حدود - كل القيم والأخلاق، ولكنها لا تصمد في صدقية بعضها دقائق فينكشف أمرها بأنها مفبركة و«محبوكة» , فتذهب مع الريح .. لكن بعضها تظل أصداؤها باقية وإن كانت ملفقة أو «ملففة» ويُرمى من إثارتها تكدير وتعكير صفو الحياة العامة.ربما أن كثرة الحديث عن الحوار بين أقطاب السياسة في الحكم والمعارضة - الذي لا يعرف العامة من الناس على أيش يدور - أو الافراط في استخدام مصطلحات الأزمة والوضع الراهن هو الذي يزيد عمر هذه الفبركات ويشعل سعير الأقاويل والشائعات التي عكست صورة مقرفة ومقلقة عن أحوالنا وأصابت حركة الاقتصاد والتنمية والبناء في البلاد بشلل نصفي! جولة بعد جولة.. وحوار آخر بعد حوار.. والحال هو هو .. فأين الخلل؟ هل هو فينا نحن المواطنين المكدودين أو في سياسيينا أو في زمننا هذا ..؟ فإلى أي درب يمضي بنا هذا السراب.. ؟ هل - حقاً – البلد يمر بمشكلة أو أزمة .. ما نوعها .. ما حجمها .. لماذا هذا الهوس على بث الأخبار المسمومة والمدمرة والتعبئة الخاطئة المنتحرة , وهذا الجنون السافر في التهاتر والمناكفة الاعلامية وإذكاء روح الحقد والكراهية التي تخلق حالة من النكوص والتذمر والفزع.؟ إذن ما الذي يجري في ساحتنا الوطنية منذ نحو سنتين.؟ هل هو عبث أو نوع من اللهو والتسلية.. ولماذا هذا التهويل والإمعان في تثبيط العزائم وخلق حالة من عدم الثقة والإجهاز العلني على كل القيم الحميدة والجميلة في مجتمعنا ؟ بوضوح شديد نقول: إن هذه الأجواء المتقلبة وحالات الانفعالات والتشنج جعلت الاشقاء في الجوار من مثقفين وساسة أكثر حماسة وإدراكاً من مثقفينا وسياسيينا لتقدير حساسية وخطورة الموقف والدعوة الصريحة لإيقاف إنتاج الأزمات وأن يكون لهذا «النزال» ليل أخير. فهذا هو الصحافي علي ابراهيم يسطر كلاماً في الصميم ويدعو في مقال نشر في جريدة (الشرق الأوسط) النخب السياسية والفكرية والحزبية في بلادنا الى التقاط الدعوات المتكررة التي أطلقها الرئيس علي عبدالله صالح لمعالجة الوضع بالحوار بين القوى السياسية وعدم اللجوء إلى العنف ونبذ ثقافة الكراهية والمناطقية والشطرية، وهي دعوات يصعب أن يختلف معها أحد، والأهم أن تلتقطها النخبة السياسية والفكرية والحزبية لتضع لها خريطة طريق لتحقيقها على أرض الواقع. فلا أحد يتوقع أن تختفي كل هذه المشاكل، أو أن يقتنع الناس الذين يشعرون بأن لهم مظالم في يوم وليلة أو بمجرد عقد مؤتمر أو اتفاق بين القوى السياسية، لكن التحرك على طريق واضح في اتجاه المصالحة والتفاهم، من شأنه محاصرة الذين يسعون إلى تحويل اليمن إلى أفغانستان جديدة أو ساحة قتال وتدريب يمتدون منها إلى الخارج، أو الذين يريدون العودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبل الوحدة اليمنية ، أو أصحاب الدعوات المذهبية. فالمسؤولية هنا لا تقع على عاتق الحكومة وحدها، فعندما يكون هناك خطر عام، فإن كل القوى والفعاليات السياسية تشترك في المسؤولية، لأن السفينة إذا غرقت – والكلام هنا مازال للصحافي علي ابراهيم - فلن تغرق بالحكومة وحدها، وإذا كانت مهمة السلطات هي توفير المناخ المناسب واتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيس أية احتقانات فإن مسؤولية الأحزاب والفعاليات الأخرى حصر الخلافات في إطارها السياسي، وإدانة اللجوء للسلاح، والوقوف بحسم ضد جماعات الإرهاب التي تريد اليمن قاعدة لها، ومحاصرتها بالفكر المضاد والتوعية. فمتى يصحو أصحابنا من ساسة وحملة تنوير وفكر وإعلام ليواجهوا الواقع وتبيان الحقيقة ليروا كم كانوا غير موفقين في تقدير مواقفهم وأنهم بتلك العقليات والقناعات الذاتية والحماسية ارتكبوا الحماقات والأذى في حق هذا البلد .. ومتى ستستشعر النخب السياسية والثقافية بكل ألوان طيفها السياسي والثقافي والحزبي مسئولياتها الدينية والاخلاقية والوطنية تجاه أمن واستقرار ومعيشة هذا الشعب المنافح المكافح ومستقبله , وتذوب معها تبايناتها واختلافاتها السياسية والحزبية وينصهر الجميع في سياج واحد مشترك فيه المنعة من أي انزلاق خطير ومدمر..؟ وتصبحون على وطن..