المدير العام: افتح الشباك ياغلام..واحذر دخول الذباب..شوف من أين دخل هذا، لم أستطع فعل شيء معه، كلما ذُبَّ آب.. الغلام: الذباب يدخل من الشباك لأنكم ترمون بقايا الأكل منه. المدير العام: بطّل فلسفة، وهات سم الذباب ورشه هناك بكثافة.. فما كاد ينتهي من حديثه حتى وجد ذبابة قد حطّت فوق أنفه. فصرخ بها: طيري لا أطار الله لك جناحاً.. ماأقذرك من ذبابة.. وهو ساخط عليها أشد السخط في أوج غضبه يلطم أنفه لطمة عنيفة.. فتطير ثم تعود لتقع مرة ثانية فوق أنفه، ثم هي تقوم بحركات بهلوانية جيئة وذهاباً، أعلى وأسفل فيحاول قتلها فلا يستطيع..تعود مرة ثانية لتؤدي حركة دائرية استعراضية فوق شفتيه، فوق شاربه وأنفه ثم تطير بعيداً..أخذ يصرخ بعصبية ويحقر من شأن الذباب، يصفه بالدناءة والحقارة.. كأنه يسمعها تتحدث فيصيخ السمع. الذبابة: نحن في ذلك سواء.. لكنني في أشياء أخرى كثيرة أفضل منك!! المدير العام: «متعجباً ومندهشاً» ذبابة تتحدث؟؟ أفضل مني بماذا ياحقيرة؟ الذبابة: لأنك جاهل ومتخلف، لاتعلم أن حركة الذباب هذا الذي تراه أمامك أكثر مما ترى واجباتك، كانت ومازالت ملهمة للعلماء في صناعات طائرات الميج، والميراج والفانتوم وطائرات الشبح وغيرها، أما أنت وأمثالك فبماذا ألهمت بلادك؟ في نفايات الأكل التي تلقيها من الشباك حتى لقد حولت خلف نافذتك إلى بيئة فاسدة يرتعي فيها الصراصير والفئران والذباب؟! ولأننا نحن معشر الذباب قد وجدنا ألسنة البشر قد انخرست تواطؤاً وإهمالاً ولامبالاة مماتفعل أنت وأمثالك من الأغبياء فكان لابد للذباب أن يكون أرقى منكم تفكيراً واهتماماً بالبيئة. المدير العام:اخرسي..أخرس الله لسانك من ذبابة حقيرة.. هات ياغلام سم الحشرات وخلصنا من هذه الذبابة القذرة. الذبابة: لم تعد المبيدات الحشرية تنفع معنا بسبب الاستخدام الغبي لهذه المواد. المدير العام: وهل هناك استخدام غبي واستخدام ذكي للمبيدات؟ الذبابة: فعلاً ياغبي!!مدير عام ولاتعلم ذلك؟ المدير العام: احترمي نفسك ياذبابة حقيرة «ينهض من كرسيه وبيده المخبطة يبحث عن الذبابة، لكنها اختفت فما شعر إلاَّ وهي فوق أنفه من جديد، فلم يتمالك نفسه.. من توجيه ضربة قوية إلى أنفه.. فورم أنفه واحمرت عيناه.. فماذا يصنع؟..اسمعي أيتها الذبابة الحقيرة إن لم تخرجي في الحال فسأستدعي جميع الموظفين لقتلك!!. الذبابة: جميع الموظفين لقتل ذبابة؟ يالكم من شجعان..! المدير العام «أُسقط في يده وشعر بالهزيمة فاختار كيف يتعامل مع الذبابة».. «فقرر أن يستعمل أسلوب اللين والتفاهم والحوار». خلينا نتفاهم بالطيب ماذا تريدين مني؟ الذبابة: «الطيب أحسن»..أريدك أن تستقيل وتترك هذا المكتب لأنك آخر من يصلح لهذه الوظيفة، ولأنك حصلت عليها عن طريق الرشوة والوساطة. المدير العام: «لم يتمالك نفسه من الغضب، فأخذ يشد رأسه الأصلع ويجري في الغرفة هنا وهناك، بينما عيناه جاحظتان يدور بهما في كل الاتجاهات في سقف الغرفة وجدرانها ونوافذها، بينما كانت هي تقبع آمنة مطمئنة في إحدى قوائم كرسيه..فأخذ يناديها أين أنت أيتها الذبابة الحقيرة والله لا سلمتُ أنا إن سلمتِ أنت.. الذبابة: إلى هذا الحد مهمة عندك الوظيفة؟ طيب:مادام الأمر كذلك أحسن إليها كما أحسنت إليك.. انفعها كما نفعتك..أنت الآن تسببت في تعطيل طاقات وإمكانيات في المؤسسات لأنك من بلادتك وسوء تصرفك وسلوكك قد جعلت من نفسك عائقاً ومحبطاً لهذه القدرات والامكانيات..أنت الآن قد تسببت في إيقاف مشاريع وبرامج تنموية كانت كافية أن تمنح فرص عمل للكثيرين من الشباب العاطلين..فليتني كنت قادرة أن أتسلل إلى الكأس الذي تشرب منه لأضع السم الذي جعله الله في أحد جناحي ولا أمكنك أن تستفيد من العلاج في الجناح الآخر الذي أودع الله تعالى فيه الدواء.. فأنت تستحق الجناح المسموم أن يغمس كله في فنجانك. المدير العام: يالك من ذبابة حاقدة.. شديدة المكر..كثيرة الإيذاء. الذبابة: ليس هناك حقد في الدنيا ولامكر أو إيذاء أكثر من رجل يحتل وظيفة كان غيره أجدر منه بها وأكثر نفعاً وفائدة للوطن. المدير العام: بالله عليك..قولي من أنت؟ ومن سلطك عليَّ. الذبابة: أنا جند من جند الله..يسلطنا الله على من يشغلون وظائف أكبر من حجمهم وقدراتهم..فماذا تملك أنت من علم أو خبرة أو حتى اخلاص وأمانة أو نزاهة حتى تقبل أن تحتل وظيفة كهذه؟ المدير العام: وهل أنا سيئ إلى هذا الحد ياعزيزتي الذبابة؟ أما تعلمين أنني لو تركت هذه الوظيفة فسوف يأتي ليحتلها من هو أغبى مني وأشد جهلاً وأكثر تبديداً للمال العام. الذبابة: ليس ذلك من شأنك. المدير العام: وهل هو من شأنك؟..والله عشنا وشفنا.. الذبابة صارت، وقبل أن يكمل الجملة كانت قد حطت على أرنبة أنفه فلم يتمالك نفسه فوجه صفعة قوية كادت تكسر عظمة أنفه، أما الذبابة فقد اختفت إلى حين.