مازالت القوى الوطنية تكابر في مواقفها، وتنهمك في قراءة كل شيء بعيون أحزابها وتنظيماتها، وتصنع قراراتها باسم الشعب المغلوب على أمره، غير مدركة بأن من تتحدث باسمه تزداد معاناته مع كل يوم مضطرب يمر من حياته. للمرة الثانية خلال أسبوع أتلقى اتصالاً من أحد أبناء محافظة أبين يشكو فيه أحوال الناس، ويطلب الكتابة عنها عسى أن يكف الجميع عن اللعب باسم أبناء المحافظات الجنوبية، والمتاجرة بهم في الشوارع، وتحميلهم ما لا يحتملون من المعاناة بدعوى المطالبة بحقوقهم. أبناء أبين يشكون من الفوضى التي يتسبب بها من يسمون أنفسهم ب (الحراك)، فهم كلما خرجت مسيرة أو سمعوا بتنظيم مهرجان في مكان ما يضطرون لإغلاق محلاتهم التجارية، ويفر الباعة المتجولون وأصحاب الفرشيات خوفاً من الأعمال التخريبية.. فأصبح معظم العاملين في الأسواق في ضائقة معيشية وبالكاد يجدون قوت يومهم فيما ما زال هناك من يحرض على المزيد باسم حقوقهم..! ولأن هذه المجاميع لاتكف عن فوضاها، فقد تقلصت السلع القادمة إلى المحافظة، وعزف بعض الموردين عن تسويق تجارتهم إلى أسواقها، فارتفعت الأسعار بحكم العرض والطلب، وبالتالي ضعفت القدرة الشرائية للمواطنين، وأصبحوا يشترون بمرتباتهم نصف ما كانوا يشترونه قبل ظهور «الحراك» ، فيما يواصل الانتهازيون اللعب على أوتار «حقوق الجنوب»! ولم يقتصر الأمر على غلاء المعيشة، بل إن ثقافة الكراهية التي يشيعها الناحبون على المحافظات الجنوبية، أدت إلى هروب الأيدي العاملة الوافدة من المدن ذات الكثافة السكانية العالية، وفي مقدمتها محافظة تعز، فتعطلت الكثير من مصالح الناس، وتوقفت الكثير من المشاريع، خاصة البناء، جراء عدم وجود أيدٍ عاملة، في نفس الوقت الذي تضاعفت أجرة العامل، وتضاعفت أجور مختلف الخدمات العامة، وأصبح استدعاء عامل لإصلاح ماسورة بيت قد يكلف ربع المرتب، فيما تواصل قوى سياسية ومنظمات تصعيدها للأحداث باسم «حقوق الجنوب» غير آبهين بالمصاب الذي حل بأبناء بعض مدن المحافظات الجنوبية جراء أعمالهم ومواقفهم المأزومة. يؤكد أحد المتصلين أن ابنته المتزوجة في صنعاء ترفض زيارته منذ عام ونصف, لأنها تخشى على زوجها من مروجي ثقافة الكراهية، ويتساءل بدهشة إن كانت هذه هي الطريقة التي سيعيدون بها لأبناء الجنوب حقوقهم، فهل هناك حق أعظم من حق صلة الرحم!؟ فهاهم يخسرون أعظم حقوقهم فيما تواصل مزامير الفتنة التبجح ببياناتها وتصريحاتها بأنها «تناضل» من أجل «حقوق الجنوب»! أعتقد أننا بعد عامين أو أكثر من عمر هذه اللعبة يجب أن نواجه كل الذين يلوكون باسم الجنوب أينما ذهبوا، ونقول لهم: أنتم نهبتم من المحافظات الجنوبية أغلى ما فيه وهو الأمن والسلام وحولتموه بتحريضكم وفوضاكم إلى نقاط تقطع، وشغب، وتخريب، واعتداءات مسلحة، وشوارع تتصاعد منها سموم الإطارات المحترقة.. فهل هناك غيركم سلب الجنوب ماهو أغلى من الأمن والسلام!؟