حين يولد الطفل في الأحوال العادية تستقبله الأسرة بفرحة عارمة ويحاط بالرعاية والحماية في كنف والديه بشكل خاص والمجتمع عامةً وينمو في جو أسري صحي مليء بالحب والاهتمام والقبول.. فيشعر الطفل بالانتماء لأسرته ومجتمعه ويفخر بهذا الانتماء الذي سيمنحه حقوقاً متعددة من ضمنها : الحق في التعليم والصحة والعمل والرعاية الاجتماعية والحياة الكريمة ، ويساعده ذلك على أن يكون عضواً فعّالاً وصالحاً في المجتمع ، وعلى الجانب الآخر هناك أطفال يتم استقبالهم منذ لحظة ولادتهم بالرفض ويُخلق حاجز بينهم وبين المجتمع ويتم إهدار إنسانيتهم ويحرمون من ابسط حقوقهم في الحصول على هوية انتماء ، وتسمى تلك الشريحة ب (الأطفال غير الشرعيين) وهما ثلاثة أنواع : النوع الأول يطلق عليهم أطفال السفاح والذي ينتج عن زنا المحارم ويكون الأب والأم معروفين ، والنوع الثاني هم أطفال الزنا حيث تكون الأم معروفة والأب مجهولاً ، والنوع الثالث هم اللقطاء " عديمي النسب " الذين يتم العثور عليهم في الأماكن العامة غير معروف نسبهم ؛ بسبب الإشكالية المرتبطة بالمعتقد الديني والثقافة السائدة يجد المجتمع صعوبة في التعامل مع هذه الشرائح من الأطفال وينظر إليهم نظرة دونية ويتعامل معهم بأفق ضيق مما يشعرهم بالانتقاص والاهانة ويعاقبون على ذنب لم يرتكبوه ويدفعون ثمن خطيئة لم يقترفوها. ربما لم يخطر في بالنا يوماً أن نجد أطفالاً بلا اسم ولا هوية ولا نسب ولا وجود قانوني ولا قبول اجتماعي ، وباسم الدين والإنسانية أتمنى ألا نقسو على هذه الشريحة من الأطفال ونحملهم تبعات أخطاء الآخرين وينبغي أن نعتبرهم منا ونعاملهم باحترام ومحبة وتعويضهم عن كل نقص قد يشعرون به . إن كل ما تحتاجه هذه الشريحة من الأطفال هو إكمال حياتهم بسلام ولن يحدث هذا إلا بامتلاكهم شهادة ميلاد تعطيهم هوية قانونية بموجبها يتمتعون بكافة الحقوق ويلتزمون بتأدية واجباتهم وعلى إثرها يمنحون الجنسية وتحدد الهوية ونوع الجنس - باختصار شديد- إن منح شهادة الميلاد هو إقرار بحق المواطنة لأولئك الأطفال . وبما أن الأطفال هم عدة المستقبل وعماده القوي في كافة مناحي الحياة فلابد من تغليب المصلحة الفضلى للطفل والحفاظ على حقوقه بغض النظر عن أية اعتبارات تتعلق بماهية ولادته وكيفيتها ، وقد كفلت الدولة له بواسطة سلطتها التشريعية حقوق أوردتها في القرار الجمهوري رقم 45 لعام 2002م بشأن حقوق الطفل في المادة 4 : ( حق الطفل في الحياة هو حق أصيل لا يجوز المساس به إطلاقاً ) ، وعلينا أن نعي أن حرمان الطفل من ابسط حقوقه قد ينعكس على شخصيته ويجعله إنساناً سلبياً كارهاً وحاقداً على المجتمع الذي لم يعترف به ومنع عنه حق التمتع بالحقوق وإيجاد السبل الكفيلة لحياة كريمة ، ويدفعه الضياع للانتقام من المجتمع ويتخرج من هذه الفئة المجرمون و المنحرفون. إن الأطفال المتخلى عنهم قد ينتظرهم مصير غامض إذا لم يتم احتضانهم وتربيتهم بطريقة سليمة وتوفير الحماية والرعاية المفترضة وتجنب تعرضهم لمخاطر الحياة وضمان حصولهم على شهادة ميلاد بموجبها تُكفل حقوقهم وتساعدهم على الاندماج في المجتمع كعناصر فاعلة ليتمكنوا من الاعتماد على أنفسهم . وهنا نحيي جهود الزميلة الإعلامية كفى هاشلي منسقة مشروع ( الأصوات الصامتة) التي تسعى من خلال مشروعها إلى استخراج شهادات ميلاد لخمسة أطفال مجهولي النسب ونأمل تعاون جميع الجهات المختصة لضمان نجاح المشروع الإنساني وأن يكون بداية للاعتراف بهذه الشريحة من الأطفال بما يتلاءم مع خصوصية المجتمع اليمني .