محمود الباروت عاش حياته دون شريك له فيها أو مكمل لعبادته بها فبقي وجوده وحيداً عاجزاً لايقوى على الوقوف أمام التبدلات والتغيرات السيكولوجية، والحياتية، التي طرأت بفعل الزمن ومضت سنو عمره الطوال التي قادته إلى مرحلة الكبر، والتي قد تجرع وتحمل فيها بعضاً من مراراتها وقساوتها، وجعلته يخطو الخطوات دون مساعدة من عزيز أو قريب. ذلك هو الوالد عبده حزام العديني كما ينادى باسمه.. رجل مسن أخذ الزمن منه كل مأخذ ليس له في هذه الدنيا لاحرث ولاولد، ولايملك من مالها مالاً. «الإنسان» عندما التقى به لم يكن ذلك من باب الصدفة أو ماشابه ذلك مثل ماهو جارٍ في سائر الأحيان مع كثير من أمثاله المساكين، والمعوزين والمضطربين نفسياً من الناس وإنما كان اللقاء مع سبق الاصرار والمراقبة له أثناء تجواله وجلوسه أمام المحلات في حي الغنامي، وهو مستسلم لحياته وعمره الميؤوس، فكان اللقاء معه من باب الشفقة كي ينظر الناس إلى حالته لما جار به الزمن. فمن خلال حديثنا معه طلبنا منه بأن يحدثنا قليلاً عن نفسه ومجريات حياته. حيث رد قائلاً: الحمدلله على ماكتب وقدّر، وحياتنا نحن البشر دائماً ماتكون مقرونة بالخير والشر، ومن الضرورة علينا أن نتحمل بعضاً من المعاناة في الحياة، كذا تكبد الصعاب والمشقات التي تواجهنا سواء كنا شباباً أم مسنين لأن ذلك من سنن الحياة، وإلا لما كتبت لنا، وحالتي أراها مثل كثير من حالات الشيوخ المسنين وما واحد إلا هو واصل إلى هذا العمر إذا ما أمده الله به، ثم صمت قليلاً وعاود حديثه بعد أن أخرج من جوفه تنهيدة حسرة على نفسه فقال: هكذا هي الدنيا فهي لاتساوي عندالله جناح بعوض وإلا لما وجد الغني، والفقير والشاب والمسن الصحيح منهم والعليل على ظهر هذه الدنيا وكل واحد منا يأخذ نصيبه منها سواء خيراً أم شراً المهم إننا سنقف جميعاً في النهاية أمام الله يوم لاينفع لا مال ولابنون ولن يغفر إلا لمن أتى الله بقلب سليم، وبالعمل الصالح. {..كم بلغ بك العمر؟ لا.. أعلم قد يكون عمري ثمانين عاماً أو تسعين لا أدري لأن أهل زمان كان البعض منهم لايؤرخ ولادة أبناءه، وقد أكون أنا واحداً منهم. {.. من أي منطقة أنت؟ وأين تسكن حالياً؟ .. أنا من مواليد العدين، والجد يعود أصله إلى خولان الطيال وكلنا من يمن واحد ولي باقٍ هنا في تعز منذ زمن بعيد أعيش في هذه المنطقة بما يقارب الأربعين عاماً أو يزيد، وأسكن حالياً مع أحد النجارين داخل دكان أما سكن لي فأنا لا أمتلك سكناً. {..وماذا عن الزوجة والأبناء؟ .. تزوجت مرة واحدة في حياتي كان ذلك في بداية عمري، ولكنها لم تبق معي سوى ثمانية أشهر فقط فطلقتها، والسبب في ذلك هو تدخل بعض الأهل في حياتنا الزوجية لأنها كانت بالأصل قريبة لي، والأرض هي من فرقت بيننا حينها، وكما تراني الآن ومنذ ذلك الوقت وأنا أعيش حياتي وحيداً لا أهل لي ولا ولد، وحياتي كلها على باب الله. {.. هل سبق وأن أديت فريضة الحج؟ .. لا.. لأن الذهاب لأداء فريضة الحج يحتاج إلى مال كثير وأنا لا أمتلك منه شيئاً. {.. وما العمل الذي كنت تشغله في السابق؟ زمان كنت أقوم بحمل الأخشاب وأعمل مع بعض النجارين وعاد الدنيا كانت دنيا والمدينة لم يكن فيها مباني كثيرة، وخاصة هذه المنطقة ماكان يوجد فيها سوى حوش ومبنى لأولاد المرحوم «على نعمان» ومبنى المرحوم الغنامي. {.. إيهما أفضل هذا الزمان أم الزمن الماضي؟ ..أعتقد بأن هذا الزمن أفضل من الزمن الماضي لكن تكاثرت فيه الناس وكل واحد منهم يرى نفسه أكبر من غيره لأن الطمع والجشع حل بهم، أما زمان كان الناس عددهم قليلاً، والواحد منا كان يعمل بقيمة ربع وثمن، أو نصف الثمن ويعيش يومه وهو مرتاح البال ومكتفياً بما معه ومقتنعاً وكثيراً ماكان الناس في ذاك الزمان يعطفون ويشفقون على بعضهم أما الآن أصبح من النادر ماتلاقي جاراً يعطف على جاره أو غنياً يعطف على فقير أو مسكين. {.. ومن الذي يرعاك ويهتم بك وينفق عليك وأنت في هذه السن؟ .. سبحانه تعالى هو من يسخر البعض من أهل الخير والمحسنين فهو يرزق الطير في السماء ويرزق الحوت في البحر، والدابة في الأرض، وجميعنا نعيش من فضله تعالى، ويومي عيدي ولا أفكر بشيء من أمور حياتي والله هو من يبعث الوكلاء، وطالما الإنسان مرتبطاً بخالقه فهو كفيله ومن يحفظه، وكل ما أتمناه هو حسن الختام.