حديث الناس عن الفقر لاينقطع، والأقلام لاتكف عن سرد قصص الفقراء، والجوعى الذين يتزاحمون على براميل القمامة، والمنظمات والجمعيات لاتمل من استعراض التقارير والدراسات حول معدلات الناس الذين يعيشون «دون خط الفقر» حتى يخيل للمرء ان أزمتنا أزمة أخلاقية، ودينية، وأن بلدنا يفتقر لأهل الخير، والمتصدقين، وأن أبواب بيوتنا موصدة ولاتفتح للسائلين.. ! لا أحد يعرف بالضبط لماذا نبالغ في شكوانا إلى الدرجة التي نهين بها أنفسنا، ونتنكر لقيمنا وأخلاقياتنا الفاضلة التي مهما شذ عنها البعض تبقى الأغلبية الساحقة هي من يتحلى بها، ويسعى لعمل الخير بمناسبة وغير مناسبة.. ! هل سبق لأحدكم أن رأى شخصاً يأكل من براميل القمامة.. !؟ كلنا نسمع ذلك ولانراه.. وكلنا يطرق الفقراء أو السائلون أبوابنا ولا أحد يرد أحداً منهم خاوياً.. ومن وفرة مايحصلون عليه من رزق سواء من البيوت أو من الطرقات والجولات، أصبح «التسول» مهنة رابحة يتسابق إليها الصغار والكبار، النساء والرجال، بل إن هناك فئات معروفة في المجتمع ذاع صيتها بأنها لاتجيد سوى مهنة التسول. أمس مررت على أحد مراكز توزيع المعونات الغذائية الرمضانية في امانة العاصمة لأرى ماذا يوزعون للأسر الفقيرة، فوجدت الجميع يخرج محملاً بأكياس البر والسكر وبالزيت والرز ومواد أخرى كثيرة تغني أي أسرة معدمة عن السؤال لأكثر من شهر. استوقفت سيدة أعرفها وسألتها عن المساعدات التي تقدم لأسرتها، فأخبرتني أن هذه المساعدات قدمتها مؤسسة الصالح الاجتماعية الخيرية، وأنها لديها حصة أخرى من جمعية الاصلاح الاجتماعي الخيرية، وقد سبق ذلك في شهر شعبان توزيع مواد كثيرة تضمنت حتى لعب أطفال من برنامج مكافحة الفقر الممول من الحكومة والأمم المتحدة.. وقالت إن هناك أناساً ميسورين يقدمون لأسرتها المساعدات المالية والعينية طوال العام، لكنها مع ذلك تبيع أحياناً بعض المواد الغذائية الفائضة لتتصرف بمبالغها في احتياجات أخرى. هذه المساعدات تقدم في جميع أرجاء الجمهورية، ولكن تتضاءل كلما توغلنا إلى الأرياف، حتى تكاد تنعدم في بعض المناطق النائية التي هي بأمس الحاجة إلى المساعدة وذلك لانعدام فرص العمل فيها، وقلة الميسورين من أبنائها.. وهو ماينبغي على الجمعيات والجهات المعنية بمساعدة الفقراء الالتفات إليه. لكن يبقى معنا جزء كبير من المجتمع هم ليسوا أيتاماً ولا أرامل ولامحسوبين على الفقراء بل هم موظفون في جهات مختلفة ويتقاضون مرتبات ضئيلة جداً، وبأمس الحاجة لمن يساعدهم ولو بكيس بر أو رز فهم يخجلون من التذمر أو مزاحمة الفقراء على أبواب الجمعيات لأنهم موظفون، ولكن على الجمعيات بدلاً من تكرار المعونة لأسر بعينها، عليها التنسيق فيما بينها البين، وتقاسم المناطق، وتخصيص شيء بسيط للموظفين الكادحين الذين هم فقراء أيضاً ولكن «تحسبهم أغنياء من التعفف».