وصف السيناتور الأمريكي جورج ميتشل أنه صاحب الفضل في حمل الفرقاء بايرلنداالشمالية قبل تسع سنوات على القبول بخطته التي أنهت الحرب الأهلية بين الكاثوليك والبروتستانت المسيحيتين.. في الوقت الذي كان جيري آدمز، زعيم الجيش الجمهوري الايرلندي أبعد وأقسى من أن تكسر رايته أو تلين إرادته أية جهة في مواصلة القتال حتى تحقيق ما يريد مما أسماه الحقوق لطائفته المظلومة منذ أربعمائة سنة. والسيناتور الأمريكي المخضرم كما يطلق عليه الأمريكيون أنفسهم هو فعلاً يملك خبرة في حلحلة العقد السياسية داخل الكونجرس الأمريكي وفي الخارج، وقد نال شهرة واسعة في خدمة سياسات الولاياتالمتحدة ومعه ريتشارد هولبروك الذي بدوره أقنع الرئيس بيل كلنتون بشن الحرب على صربيا لانتزاع استقلال اقليم كوسوفو ذي الأغلبية الألبانية المسلمة، وفي حشد القرارات الأممية والأوروبية باستخدام القوة لإنهاء حرب الإبادة ضد أبناء البوسنة والهرسك في بداية التسعينيات بقيادة رادوفان كرازدتش، وقد ألقي القبض على ميلوسوفيتش وقدّم للمحاكمة في محكمة الجنايات الدولية بتهمة إبادة أبناء إقليم كوسوفو، ولم يُقبض على رادوفان كرازدتش. لكن جورج ميتشل الذي أنعش اختياره من قبل الرئيس أوباما ليحقق لأمريكا دعاية جديدة ونجاحاً دبلوماسياً عظيماً ينهي صراعاً وحرباً تشنها اسرائيل منذ أكثر من ستين عاماً على شعب فلسطين والشعوب العربية المجاورة بأسلحة أمريكية وغربية ودعم مالي غير محدود تعويضاً من ألمانيا لما يسمى "ضحايا النازية من اليهود في الحرب العالمية الثانية" فكانت كل جولات اسرائيل العسكرية والاستيطانية ترجمة لخريطة "سايكس بيكو" نسبة إلى وزيري خارجيتي بريطانيا وفرنسا قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى وأثنائها ضد ألمانيا بتقسيم الوطن العربي وإعطاء فلسطين لليهود في الوقت الذي جندت الدولتان الاستعماريتان عشرات الآلاف من العرب للقتال معهما وما يسمى "الثورة" ضد العثمانيين وتحقق لهما ذلك، فقد اصطدم ميتشل بصلابة نتنياهو ووزير الخارجية ليبرمان ووزير الدفاع أيهود باراك في رفض تجميد الاستيطان في الضفة الغربيةوالقدس بشقيه الطبيعي والجديد. وكلمة «طبيعي» تعني توسيع المستوطنات القائمة والتي تتوسع دائماً حتى أصبحت مدينة كبيرة محاطة بطرق خاصة شقت في أراضٍ مصادرة على الفلسطينيين قبل وبعد مؤتمر أنابوليس الذي عقد قبل أكثر من سنتين من أجل وقف الاستيطان؛ فإذا به تتصاعد وتيرته خلال الثلاثين شهراً الماضية. ففي الزيارة الأولى المكوكية لميتشل إلى المنطقة بعد قبوله المهمة التي وصفت بأنها شائكة أظهر قدراً مبكراً من إظهار نفسه بما عرف عنه في المهمات السابقة ليعطي انطباعاً بأن عناد الاسرائيليين لن يكون أقوى من عناد جيري آدمز في ايرلنداالشمالية بمواجهة الكاثوليك، وأن براعته سوف تثمر مالم يحصل عليه الرؤساء والمندوبون الأمريكيون السابقون في اتفاقية سلام نهائي بين العرب واسرائيل على قاعدة القرارات الدولية وخاصة القرار 242 عام 67م الذي يلزم اسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها في حرب الرابع من يونيو من نفس العام على مصر وسوريا والأردن، وتمكنت بسرعة خاطفة احتلال سيناء المصرية الواسعة، والجولان السورية الاستراتيجية، والضفة الغربيةالفلسطينية التي كانت تحت الإدارة الأردنية!!. وقبل استئناف جولته الثانية ظهر ما يشبه التراجع عما قاله مسبقاً بأن تجميد الاستيطان هو الأساس في الدخول بمفاوضات جادة تضمن السلام للاسرائيليين مع جيرانهم العرب ليعيشوا بسلام دائم بعد عودة الحدود إلى ما كانت عليه قبل عام 67 وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. وقبل هذه الجولة لميتشل أصدرت حكومة اسرائيل قرارات ببناء مئات الوحدات السكنية في محيط القدسوالضفة الغربية وعزل المدينة المقدسة تماماً، وذكر نتنياهو أن الإدارة الأمريكية كانت قد وافقت على بناء ألف وخمسمائة وحدة سكنية في حي الشيخ جراح وباب العمود وباب المغاربة ومناطق أخرى، وإزالة المعالم الباقية لمدينة القدس الدينية الإسلامية والمسيحية والأثرية، دون أن نسمع نفياً أمريكياً أو تحذيراً واضحاً من مواصلة الاستيطان الذي شدد عليه الرئيس أوباما وأيده القادة الأوروبيون وأمين عام الأممالمتحدة.