عندما لاتكون الثقافة قائمة على أسس أخلاقية سامية تحدث الفوضى وتحدث التصرفات التي تضر ببنيان المجتمع وتحدث الكثير من المشكلات التي يصعب تجاوزها في كثير من الأحيان.. عندما لاتكون التنشئة سليمة بحيث تتجاوز من بدايتها ثقافة المفاهيم الضيقة التي لامبرر لها إلا في عقليات شياطين بالهدم والتدمير وإن ظنوا أنهم بذلك يشيدون المستقبل.. ثقافة الجغرافيا من أجل الجغرافيا فقط هي ثقافة قذرة ومدمرة في آنٍ واحد، ثقافة الجغرافيا التي تبدأ بسؤال الآخر من أين أنت؟ ثم بناءً على الجواب يكون التعاطي وتكون الأفعال، هذه الثقافة أبسط ما يمكن وصفها هي أنها ثقافة قاتلة سواءً اليوم أو غداً إذا سُمح لها أن تستمر على حين إيمان بها أو غفلة عنها.. عندما يتطاول الطالب مثلاً على أستاذه بحكم ثقافة الجغرافيا الممقوتة ثم يقابل هذا التصرف بالتجاهل أو بالتغاضي من قبيل الآخرين قل على الدنيا السلام.. عندما تكون الجغرافيا وحدها هي الحاضر الأوحد في كل شيء فانتظر النهاية الكارثية.. أصبح اليوم لثقافة الجغرافيا المناطقية صوت له صدى وبدأ يتردد على المسامع بكل جرأة وحرية وسوف يتغلغل أكثر طالما كانت المسامع مفتوحة والقلوب مؤمنة أحياناً وخائفة أحياناً أخرى ومنشغلة عند البقية من الناس بقضايا أخرى لم تسمح لهم بالاستماع أو بالتفكير بهكذا أصوات وبالتأكيد سوف يأتي اليوم الذي يفيق فيه الجميع على المصاب العظيم وهو أن هذه الثقافة هي الحاكمة لكل الأقوال والأفعال مالم يستيقظ الجميع من غفلتهم الآن ليقفوا في مواجهة هذه الثقافة التي تجاوزت التاريخ وتوقفت عند حدود الجغرافيا والانتماء الجغرافي فقط وتناست العلم والمعرفة وماهو المهم من التفكير بقضية من أين أنت؟ مالم يتدارك الناس أنفسهم من خطر هذه الثقافة فإن الخراب سيطال كل شيء وداخل الجغرافيا الضيقة ثمة جغرافيا أضيق سوف تطفو على السطح.. أغرب واسوأ مايحدث في دائرة هذه الثقافة المقيتة أنها استطاعت أن تنسي البعض مسئولياتهم وتنسي البعض الآخر علمهم وتنسي الكثير منهم أنها ثقافة براقة لبعض الوقت فقط وسوف تنقلب على أصحابها لامحالة.. لقد نسي البعض أو تناسى أن التمسك بهكذا ثقافة وتعليمها للأجيال سوف يصاحبه تمسك الآخرين بثقافة مماثلة مضادة والتعصب لاشك أنه يولد مثله لكن في الاتجاه المعاكس وكل الاتجاهات قاتلة ولامفر من الكارثة.. عندما ينشغل النخبة من أفراد مجتمع ما ويقفون عند حدود انشغالهم بالخلاف القادم من عقليات آمنت بالجغرافيا وكفرت بالتاريخ والكثير من القيم والأخلاق وتمسكت بما آمنت به ولم تستطع الفكاك منه قل هي المصيبة عينها، وعندما لاتدرك هذه النخبة أو من يُطلق عليهم هكذا بخطورة ماهم عليه أو بصمتهم على ما يحدث فالمصيبة لاشك أعظم والكارثة أدهى وأمر، سوف لن تنفع هذه الثقافة أصحابها بشيء وإن ظنوا هكذا وهو ظن كله إثم وباطل.. سوف تلفح النار الجميع ولن يجد من أشعلها مرقصاً بعيداً عنها.. عندما أقول هذا فهو من باب إدراك العواقب وأحسب أن هناك من يطرب لمثل هكذا ثقافة لأنها ثقافته من البداية وربما توارثها وهناك من يرى فيها مبدأ عاماً تسير عليه الأمور وسوف تسير لاحقاً لكني أحسب أيضاً أن المستقبل لن يكون كذلك إذ لابد لهذه الثقافة أن تهزم قبل أن تستشري مالم فسوف يحل الدمار قبل أن يأتي المستقبل وكله يبدأ من ثقافة الجغرافيا القاتلة!!