كنت ومازلت أحذر من كوارث الحلول الفردية، وهي حلول شخصية يوصي بها البعض أنفسهم وغيرهم في مواجهة المشكلات التي قد تحدث لواحد أو أكثر منهم دون الالتفات للحلول العامة التي يفترض أن تتم عبر الجهات المسئولة والمختصة. الكثير من الفوضى وما ينجم عنها من خسائر مادية وبشرية هي بالأساس ناتجة عن ثقافة الحلول الفردية المستعجلة والخاطئة والتي لايؤمن أصحابها بوجود المؤسسات والقوانين والأنظمة التي من صُلب مهامها التشريع ووضع الحلول وفض النزاعات حين تحدث. الحلول الفردية بالطريقة التي نراها في أكثر من مكان اليوم هي حكم الهوى والشيطان ، فكل صاحب قضية يرى أنه صاحب الحق المطلق ومالم يستجب له في أسرع وقت يكون الحل الفردي جاهزاً للتنفيذ من خلال العدوان أو قطع الطرقات أو نهب ممتلكات الآخرين وصولاً إلى القتل وإراقة الدماء، كل ذلك تحت حكم الهوى الذي يزّين لصاحبه أنه على الحق المبين فلاينتظر حتى يقول القضاء كلمته أو تنطق الحلول المسئولة وهي بلاشك أفضل من تصرفات فردية لاتحل مشكلة وإن ظن البعض أنه يفعل ذلك من خلال التمرد على القيم والأعراف والقوانين والتشريعات من مبدأ خاطئ مفاده خذ حقك بنفسك.. المجتمعات التي تشهد حروباً أهلية وتناحرات وفوضى عارمة بدأت قصتها من هذه النقطة وهي التمرد على مؤسسات الدولة وانتهاج سُبل الحلول الفردية والعمل بمبدأ القوة هو الحل فهناك نبتت الأحقاد ونمت الكراهية وسادت ثقافة الانتقام وبدأت لغة حسابات العنف.. لا أظن ولايمكن لدولة أن تخصص شرطياً جوار كل مواطن يمنع العنف أو الجريمة بشتى صورها ولايمكن بأية حال أن يُلقى باللائمة على الدولة في كل شيء.. ماذا تفعل الدولة لخلاف نشب في سوق القات على مائة ريال ثم تطور سريعاً وتحول إلى اشتباك أسفر عن عدد من القتلى والجرحى؟ وماذا تفعل الدولة لسائق باص اختلف مع راكب على عشرة ريالات وتطور الأمر وحين تدخل أحد الركاب لحل المشكلة وعرض على السائق أن يدفع له العشرة الريالات ويأبى السائق إلا أن يحول المشهد إلى جريمة قتل؟ وهكذا من هذه الحكايات. لقد سادت كثيراً ثقافة الحلول الفردية المستعجلة ولانعفي الدولة من مسئولياتها في هذا الجانب وهي كثيرة لكن الكثير مما يحدث قد تعدى امكانيات الدولة في ظل غياب المسئولية الجماعية وفي ظل تحريض على هكذا ثقافة. لقد استمرأ البعض الفوضى ورأى في الظرف الراهن الذي تشوبه الكثير من التعقيدات والصعوبات التي جلبتها إلينا الديمقراطية الخاطئة فرصة سانحة لممارسة الفوضى وظّن الآثم أن لا أحد يستطيع أن يفعل شيئاً فالدولة لها مشاغلها وبالمناسبة مشاغل الدولة الكبرى حالياً تكمن في مواجهة حلول فردية على مستوى أكبر، فالعصابات المتمردة في صعدة تمارس حلولاً فردية لمشكلات هي من جلبها للمنطقة وعصابات الحراك تفعل نفس الشيء.. وعلى المجتمع أن يدرك جيداً أن الحلول الفردية الفوضوية لاتُعد حلولاً وأن عواقبها أكبر, من كارثية ووخيمة وسوف يكتوي بها أصحابها أولاً وأنها تبعث الأحقاد وتزرع الكراهية ولكل فعل رد فعل ربما يكون أسوأ من الفعل ذاته.