بداية سأطلب من القراء الأفاضل تدوين تاريخ يوم أمس الثلاثاء 10 نوفمبر 2009في مفكراتهم كي لا يبقوا في حيرة من تفسير أحداث الأيام القادمة في المنطقة عموماً، لأنه التاريخ الذي اتخذ فيه «محور الشيطان» قرار إشعال الفتنة المذهبية في إقليم الخليج والجزيرة العربية..! ففي سيناريو تم الإعداد له بدقة متناهية، أطلت علينا أمس ثلاثة أطراف بتصريحات إعلامية تلاقفتها المؤسسات الإخبارية، وحولتها المنتديات الإلكترونية إلى حرب حقيقية اختنق فيها الجميع بدخان المذهبية.. فللمرة الأولى تخرج إيران من دائرة التحفظ الديبلوماسي، ليتحدث وزير خارجيتها السيد «متكي» عن «حرب على الشيعة في اليمن»، ويتهم دول المنطقة - أي الخليج - بالعمل على «صب الزيت على النار»، ثم يحذر من أن «دخان صعدة لن يوفرهم»، أي لن يعزز أنظمتهم.. فكان ذلك أول تحدٍ صريح لدول المنطقة يلعب بورقة المذهبية. وفي نفس اليوم، ونفس التوقيت خرجت القاعدة والحوثي بتصريحين منفصلين ومتضادين بوصفهما الأداتين الميدانيتين اللذين ينفذان المخططات الخارجية.. فعلى الرغم من علم الجميع بتفاصيل التحالف الحوثي - القاعدي، وثبوت ذلك بوقائع ميدانية خلال أحداث حرب صعدة، والعدوان على السعودية، إلا أنهما اختارا أن يقود كل منهما قطباً من الحرب المذهبية. فزعيم التمرد عبدالملك الحوثي وجه رسالة تسجيلية صوتية هاجم فيها تنظيم القاعدة، ووصفه ب «أداة استخبارية بيد الولاياتالمتحدةالأمريكية وبعض الأنظمة العربية الموالية». وقال: إن رموز القاعدة ينفذون نفس الأدوار الاستخبارية التي أنيطت بهم أيام حرب أفغانستان والاتحاد السوفيتي، كما شن هجوماً على المملكة العربية السعودية وهددها بمواصلة عدوانه عليها، وسخر من بقية دول الخليج.. أما تنظيم القاعدة، فقد شن أحد قادته - محمد بن عبدالرحمن الراشد - القيادي البارز في تنظيم قاعدة اليمن والجزيرة العربية - هجوماً خبيثاً على «الشيعة»، ودعا إلى قتالهم لأنه يعتقد أنهم أخطر من اليهود والمسيحيين. وأن الحوثيين في صعدة يشنون حرباً على «السنة». ليعذرني القارئ إن استخدمت المفردات المذهبية، فغايتي هي لفت الأنظار إلى الطريقة الخبيثة التي يمارسها محور الشيطان في إشعال نيران الفتنة المذهبية، التي تم تطبيقها بنفس الصيغة تماماً في العراق ليتحول في غضون أسابيع إلى أبشع المسالخ الدموية التي عرفتها البشرية.. كما ألفت الانتباه إلى أن حملة ألوية «الدفاع عن المذهب» هما القاعدة والحوثي اللذان عاثا في الأرض فساداً وقتلاً وتخريباً. إن من الحماقة بمكان أن نصدق بأن التصريحات الثلاثة توافقت «مصادفة» في زمن واحد، وفي نفس الاتجاه المذهبي، لأن بمجرد تداولها بالمواقع والمنتديات الإلكترونية فوجئنا بأن هناك جيشاً من المعلقين كانوا خلف أجهزة الإنترنت يترقبون نزول التصريحات ليخوضوا معركة «مذهبية» هي الأشرس التي عرفتها وسائل إعلام المنطقة. أمس اشتعلت الدواوين الخليجية والمقايل اليمنية بالحديث المذهبي الذي دخلوه من بوابة تصريحات «متكي» والقاعدة والحوثي.. وهذا الحديث لن يتوقف لأنه تحول إلى مادة إعلامية تلوك بها الفضائيات، وتتراشق بها المنابر السياسية.. وحتماً أنها آيلة لمزيد من التصعيد.. ونسأل الله اللطف بنا جميعاً، وأن يحفظ بلدنا من نيران الفتن المذهبية.