التنمية.. هذه الكلمة تعني الأمن والهدوء والاستقرار والتطور الاقتصادي والاجتماعي والنمو وحياة الشعب وكل ذلك جميعاً.. هذه الكلمة الساحرة والمغرية لكثير من الشعوب، والحكومات وكثير من الأحزاب السياسية تجعلها نصب عينيها في مجادلة الحكومات والأحزاب الحاكمة وكذلك كثير أو كل القادة السياسيين ينطقون بها وكثير من الكتاب يكتبونها وكثير من الاقتصاديين يشيرون إليها والجميع يسعى إلى أن تكون هي الهدف النهائي لسعادة المواطنين في أي بلد وفي أي مكان وزمان. كل بلد من بلدان هذه المعمورة له عاداته وتقاليده وله بعض صور العرف التي تعود عليها، هذه نقطة مفهومة ومعروفة ومن ضمن التراث أحياناً ولكن تلك الصور متى ما أصبحت مضرة بالمجتمع فيجب أن تتوقف وتمنع لأن ضررها اكبر من نفعها على كل أفراد المجتمع وليس فئة منه . والتوقف والمنع هنا يجب أن يفعل بازدواجية الدولة وقوانينها ونشاطات وفعاليات كل شرائح المجتمع المدني وأفراد المجتمع العاديين على السواء. ولوأردنا إعطاء بعض الأمثلة في هذا الشأن فإننا نستطيع الإشارة إلى مسألة تزويج صغار السن من الفتيات وكذلك ختان البنات . وعادات أخرى . قديمه وغير نافعة بل ومضرة أكثر منها مفيدة . نعود لليمن والتي تختزن المئات مما أصبح عند البعض نوعاً من العادات والتقاليد والوجاهة في زمن من الأزمان وأصبحت في هذا الزمن الذي نعيشه نوعاً من الجنون والانتحار والعداوة بين السواد الأعظم من المجتمع وآخرون يمثلون القلة عددا . بل أصبحت تلك العادات ( إذا أراد احد أن يسميها عادات وتقاليد ) مرضاً يتفشى وينتشر ويهدد مستقبل البلد . وسرطان يصعب استئصاله ووسيلة قتل وتدمير لأفراد المجتمع . ووسيلة سهلة ورخيصة نتيجة توفرها أكثر من توفر الغذاء والدواء بيد الكثير من الناس لمحاربة الدولة والنظام لتحقيق غايات شخصية بالقوة وبعد ذلك تحقيق أهداف لآخرين خارج الوطن في الوطن. تلك الوسيلة هي السلاح . والكل يعرف أن السلاح قاتل . ولا ادري كيف يجرؤ مسلم أن يحفظ في بيته وسيلة قتل لنفس بشرية كان في الماضي ( وكان فعل ماض وانتهى) حيث كان السلاح وسيلة دفاع عن النفس من الوحوش والحيوانات المفترسة ليس غير ذلك سوى القليل من وسيلة اطمئنان للدفاع عن النفس حيث لا وجود للدولة وكيانها في ذلك الزمان الماضي. هذان السطران الأخيران كانا هما المبرر الرئيسي والوحيد لوجود السلاح عند البعض وليس الكل في الزمن الماضي فقط . أما اليوم فلم يعد هناك مبرر أو حجة لوجود ذلك في يد أي مواطن كبيراً كان أم صغيراً. فقد تغيرت كل الأوضاع والمفاهيم . حيث أوجدت الدولة بمفهومها العصري الحديث لدى علماء الاجتماع والسكان الطرق والمراكز الإدارية والعسكرية وربطت الاتصالات كل مكان وتغير مفهوم كل الناس وقناعاتهم من ناحية السلاح وحمله بل وامتلاكه . بل وأصبح ذلك شيئاً من الماضي وصورة من صور التخلف والعنترية . وصورة من صور تحدي مفاهيم المجتمع المتغيرة مثله كمثل أي مجتمع في آخر. فقد أصبح الإنسان ينظر لحامل السلاح انه قاتل وان قتل النفس البشرية لديه كقتل بعوضة أو ذبابة. ونتيجة لتهاون الجميع بما فيهم الدولة الحالية والحكومات الماضية لظاهرة تفشي انتشار السلاح أصبح هو العائق الأول والأكبر بل والأساسي في تخلف اليمن. حيث وصل انتشاره لدرجة أصبح هناك أسواق وأماكن تسويق له والترويج لمواصفاته وسهولة تهريبه وانتقاله حيث لم يصبح عالة على المجتمع بل أصبح عدواً للمجتمع والدولة. لقد أصبح منتشراً بين فئات المجتمع يفتك بهذا المجتمع رويداً رويداً . وينتشر في أكثر من مكان وأصبح له تجار يسترزقون من تجارته على حساب أرواح الكثير من المواطنين وعلى حساب مستقبل الجميع مجتمعاً ودولة. والحقيقة أرى انه لم يتبق غير أن نشاهد إعلانات في الصحف والتلفزيونات تظهر مواصفات هذا السلاح في الفتك السريع بكل شيء أمامه. لذلك فإنه من خلال سياق ما يجري وما جرى وما سوف يجري من دورات سفك الدماء في أي مكان وفي كل مكان في اليمن فإن السلاح ووجوده بهذه البساطة هو الطامة الكبرى والمصيبة العظيمة والشر المنتشر لكل مصائب اليمن والتي تزداد في الآونة الأخيرة . وفي تقديري وجوده بهذا الشكل الحالي هو تدمير لكل شيء جميل في الماضي والحاضر والمستقبل واختفاؤه يمثل تأسيساً لمجتمع مدني يسعى للعلم والتطوير واللحاق بركب من تقدم من الأمم وبناء أمة متحضرة متعلمة وتنمية و تغيير كل شيء إلى الأفضل وبناء دولة قوية، الحكم بين الظالم والمظلوم فيها هو القانون وليس السلاح . والحقيقة لم يعد الثالوث المهلك للأمم المرض والفقر والجهل هو الخطر على اليمن والشعب اليمني لأن من الطبيعي أن هذا الثالوث يتمكن وينتشر في أفراد الشعب بسبب وجود السلاح وهذه ليست فلسفة إنما حقائق نتيجة لانتشار السلاح، فبسبب السلاح يتم اغتيال عائل الأسرة وتتيتم وتصبح دون عائل وتنضم لقافلة الفقراء دون سبب ارتكبته. ويقيني أن بيئة المرض تستوطن لدى الكثير من الفقراء وبالسلاح تنتشر ثقافة الثأر والانتقام من الآخرين واعتبار الثأر بوسيلة السلاح وليس بوسيلة القانون رجولة وبطولة وهكذا فإن السلاح وانتشاره هو الأرضية الخصبة لتفشي الثالوث اللعين . ولا يخفى على احد جهود وزارة الداخلية في الحد من انتشاره وظهوره في المدن ولكن هذا الجهد يصبح بدون فائدة إذا لم يمنع السلاح في كل مكان وليس في المدن فقط كما تسعى أجهزة الأمن ووزارة الداخلية لاستصدار قانون تنظيم حمل وتجارة الأسلحة، فالمواطن والمغترب والسائح على سبيل المثال عندما يذهب إلى القرى ويشاهد طفلاً يحمل سلاحاً أكبر منه طولاً حيث يصبح هذا المنظر منظر رعب وخوف وليس منظراً مألوفاً. فالمنظر المألوف هو ألا يظهر السلاح على سطح الأرض إلا بيد القوى الأمنية أما غير ذلك فهو إرهاب وصورة من صور الرعب، بل أصبح رجل الأمن في كثير من الدول المتقدمة لا يحمل سلاحاً وان حمله فهو لا يرى بالعين المجردة ونعرفه بزيه العسكري . والأغرب في اليمن أن هناك قانون ( هو أصلاً) معوق يراد له أن يولد بأي صورة ومع ذلك لم يلد معوقاً أو مشلولاً..! أليس صحيحاً أننا دولة ديمقراطية نناقش القوانين ونسن التشريعات التي تكون لمصلحة الوطن والشعب ولو كنا كذلك لما ظل قانون السلاح وحمله والاتجار به محبوساً في أدراج مجلس النواب منذ سنين ولنكن واقعيين وصادقين مع الشعب فإن هناك في مجلس النواب أعضاء لا يريدون لقانون تنظيم حمل السلاح حتى بصورته الضعيفة أن يظهر على منصة مجلس النواب فكيف نكون ديمقراطيين إذا كانت شلة من الأعضاء المتمصلحين تهيمن على هكذا قوانين مصيرية وحساسة في مسألة السلاح فهؤلاء ليس لديهم الحماسة الوطنية في تقنين ظاهرة انتشار السلاح ويبدو أنهم من تجار السلاح ولا نستطيع قول غير ذلك. فليغضب منهم من يغضب والى الجحيم يذهب المهم في النهاية يظهر ذلك القانون الذي يمنع حمل السلاح والمتاجرة به.. لقد بلغ السيل الزبى أيها التجار يا من يسميهم الشعب (بحسن نية ) نواباً في البرلمان والحقيقة أن بعضهم تجار في البرلمان، نحن وأرواحنا وأبناؤنا في ذمة رقابكم يوم يأتي يوم الحساب وانتم المتسببون في إزهاق أرواح كثيرة في اليمن نتيجة حمل السلاح. لقد أصبحت بلادنا مشهورة بوجود الكثير من قطع السلاح وذهبت آلاف الأرواح نتيجة هذا السلاح وظهر متمردون في أكثر من مكان بسبب وجود هذا السلاح وظهرت القاعدة ووجدت لها مكاناً بسبب وجود هذا السلاح وقتل الجنود والمواطنين والمهندسين والأطباء بسبب وجود هذا السلاح وبرز أناس همج وظهروا وكأنهم شجعان وهم يحملون هذا السلاح وأياً كانت جهود الدولة والحكومات القادمة ومجيء المستثمرين وظهور المصانع فإنها في أيام فقط ستنتهي بقوة هذا السلاح أليس حراماً أن يغتال احد الجهلة والمجرمين كوادر علمية مفيدة لليمن وللبشرية أضاعوا سنين حياتهم في تعلم علوم تفيد الإنسانية جمعاء؟! أليس حراماً أيضاً أن يُغتال طبيب ومهندس وطيار وخبير برصاصة معتوه أوجدتم له الوسيلة للقتل !؟ أليس حراماً أن يبقى هذا القاتل والمجرم والجاهل حياً يرزق وطليقاً بقوة السلاح الذي يملكه وانتم الذين استوردتموه!؟ بالله عليكم من الذي يستحق أن يذهب من هذه الدنيا من دون ندم أهو الطبيب والعميد والمهندس أم حامل السلاح المتعجرف؟! لا تطور ولا تغيير ولا تنمية ممكن أن تظهر ولا استقرار وهدوء ممكن أن يأتي مادام السلاح في متناول اليد. كل من ينادي ويطالب الدولة أن توجد تنمية فعليه أن يعي أن ذلك غير ممكن قبل أن يختفي السلاح وعليه أن يسأل نفسه هل كان ممكناً أن يتم تقطع الطرق لو لم يتوفر السلاح بهذه الكثافة ! هل كان من الممكن أن يتجرأ احد ما على عصيان أوامر الدولة وعدم الالتزام بالقانون لو لم يتوفر السلاح؟! هل كان من الممكن أن نرى بعض أعضاء مجلس النواب وحولهم حرس مدججون بالأسلحة لو لم يتوفر السلاح ؟! فليصرخ الجميع في وجوه كل نواب الشعب وبدلاً أن نقول لهم التنمية التنمية التنمية نقول لهم السلاح السلاح السلاح هو مفتاح التنمية فإذا ذهب السلاح حضرت التنمية وإن ظهر السلاح فلن تكون هناك تنمية فهل لدى تلك القلوب القاسية ضمير؟